ليلة السبت/ يوم الاحد
من العام المنصرم
تفحصت الرقعات الورقية وقصاصات الصحف العتيقة التي جلبتها قناعة، وكانت بعض العناوين العريضة محاطة باللون الأحمر ك بتعويذة اذابت حبل المشنقة، هروب ساحرة من مقصلة الإعدام يثير رعب العامة. كانت أحرفها محاكة من خيوط العنكبوت الواهنة إلا إنها لها القدرة على الاصطياد!
وبين خطوط مدونة (قناعة) توسعت الحقائق وتضاءلت الخيالات، لقد مرت على تلك الحوادث أعوام طوال ولكن لم يبلغ طولها عهد كعهد المقصلة المنقرض.
وباستخفاف وعدم مراعاة لحماسي الكتابي المتوقد انقطع التيار الكهربائي، تلمست طريقي ببطء حتى بلغت مكان الشمعة والقداحة، التقطتهما، وأنا أقول للشمعة: “ستحترقين ولن يرضى عليكِ الغيهب!”
اشعلتها وبقطراتها ثبتها على المكتب الخشبي لكمبيوتري الشخصي. فمن المعتاد أن توضع في ماثلة لكي يتسنى لها الإنارة والتآكل دون أن تبدي للغسق أي استجداء عاطفي ولا ينتابها عند نهايتها أي انكسار.
غيهب الغسق نرجسي بطبعه يعشق شموع التضحية حين تحترق من أجله، وتعلوه السعادة أمام دموعها الجارية على جسدها الذائب، وهو يدرك تمام الإدراك أن ما تناثر منها ستعيد به تكوينها بعد أن تمزج بقاياها مع بقايا الأخريات في عملية التدوير. ومن خلال هذه العملية التجميلية ستهبه فرصة مجانية لتجديد عشقه وستحل عليها من جديد لعنة الاحتراق.
من شدة الحر رفعت شعري فوق هام رأسي بالشباصة، جلست بسرعة، متوجهة بأوراق تلك الحياة إلى الشمعة، سلطت ضوءها وأشرعت أقرأ كيف كانت تسير في خطاها. وقبل أن أكمل بقايا كلماتها المزدحمة في عمق أعماق أسرارها الدفينة، حانت اللحظة التي توقفت فيها عند صفحة الشيخة ليلى التي كانت بداية حياتها الكئيبة.
في يوم الخميس غادرت الساحرة أو الشيخة ليلى زنزانتها الصغيرة وقد أرسلت إلى ساحة الإعدام. مضت إلى هناك مقيدة اليدين والرجلين، معصوبة العينين، وهي تتأمل في وجه دفتر ذكرياتها، بعد سنوات طويلة من الاجرام، وأمام ساحة الإعدام، تذكرت الشيخة ليلى ذلك المساء البعيد الذي أخذتها جدتها فيه للتعرف على عالم خاص بها يدعى عالم “الزار” – كما أوهمتها – وله طقوسه الفريدة من نوعها.
ولجت الشيخة ليلى مع جدتها إلى داخل منزل حقير وبه فرقة تتوشح البياض تقرع الدفوف وتدور حول البخور إلى أن كونت سحابة عقيمة من الغيث، أصوات عالية، ديك يصيح ودمه يطير ، وفجأة لم تر شيئًا وسط الضباب الدخاني، أغمي عليها ساعة.. نصف ساعة لا تعلم، فتحت عينيها وجدت نفسها نائمة على سرير قديم مصنوع من الخشب، وثوبها قد امتص زيتًا بعدما سبحت في لحاف قطني، حكت جدتها لها “انه عصارة الزيتون المبارك”.
نهضت بعدما استجمعت قواها الخائرة ووعيها يعيش في حالة من اللاوعي، ماذا حدث؟ ومن الذي حملني ووضعني هنا؟!
كان هناك صوتًا ذو هيكل خفي يجيب على تساؤلاتها: “أن جدتكِ حضرت الشياطين والمردة وجمعتهم على كيانكِ الضعيف الصغير”، شعرت أنها جبل بعدما تسلقوها!
الروح/ صفية باسودان