في البيت، أم قناعة تتقلب على جمر التفكير ولبرهة طويلة تفكر صامتة، ثم احتدت قائلة لنفسها: “صوته بمفرده يجلب لها سوء الحظ، فكيف هو بكاملة؟ فمن المؤكد سيحضر لها الكوابيس، القليل الذي أعرفه هو الكثير المخيف المؤثر على مستقبلها، لقد مر وقت على ما حدث، ولو تركته سيستمر وقتًا أطول، وهو لا يعيش:ذلك على الهامش بل يعايشه يوميًا في لب ورقة حياته”. أضافت بعد برهة قصيرة: “ولكنهم سيضعون في أفواههم ما يحلو لهم. والحكاية الحقيقية لم تهم أحد باستثناء قناعة”.
وعندما وضعت دلتها على الطاولة، وحملت في يدها فنجان قهوتها لاحظت فكرة مرسمة على سطحه فورًا.
“نعم هذه هي الفكرة التي لم أضيعها اليوم”.
بعد الظهر، وقبل موعد رجوع قناعة، ذهبت أمها إلى البقالة تشتري وتتحين عودتها. كانت البداية أصعب شيء لاسيما على أم عصامية كرست من أجل فلذات كبدها. ومن الخلف تصاعد صوت أم قناعة يقول:
– كيف تتحدث معها، لماذا تسألها وما الذي تريده منها؟
أحمر وجه (المنصدم) لم يستطع إعادة سؤاله ولا حتى تغييره! وعندما رأته منكسرًا أضافت: “إذا كانت تهمك فعلًا فلن يضرك شيء أن انتظرت حتى الإجازة لتجد ردًا لطلبك”
اضطرب عندما سمع هذا إلى درجة أنه لم يتفوه بكلمة وكان ينظر بدهشة إلى حد لا حد له. وبعد أن سألته وهي تقول لنفسها: ” لن أصارعك يا أيها الخنزير النجس لكنني سأجعلك تندم حين ترى نفسك الخالية من الرجولة ملطخة بالوحل”.
استمرت حياتهم على هذا المنوال وقد علق الناس عليها لافتتهم المعهودة: “الروتين اليومي.. إلزام ورتابة!”،
وبالطبع كان لكل شخصية نمط ورأي حياة، تتأرجح ما بين أصوات جهورية منفجرة ومخملية لينة.
كانت الانتقادات الموجهة إلى الروتين طيلة الاسبوع تزداد وتتضخم وتنقص ونتلاشى في نهايته، ولكن الالتزام شيء آخر كان بمقدور الكل فعله إلا أن التغييرات تختلف من شخص إلى أخر ولابد وان يصدر التباين عواقبه.
في تلك الفترة، توقف (المنصدم) عن متابعة (قناعة) وتمكن من مسك المراهق الذي في داخله وحد من تمرده. وحتى لا تأتي اللحظة التي يشكو فيها الطفل الداخلي من البعد هذا الاختبار الصارم، قال لنفسه: “عليك أن تشعر بالفرح، أنا لا أرى أمامي إلا الموافقة، فلا تكن مندفع جدًا أيها العريس، الأمل لديك عظيم وحلمك سيتحقق في الغد القريب”.
عبر نهاية الأسبوع فكر رئيس العمال في أن يسلمها الفواتير مع كشف الطلبات والمبالغ المالية المستحقة لها، لكنه توقف عن القيام بهذا الفعل لإن الوقت غير ملائم وقرر أن يكون ذلك مع وجبة الإفطار الخفيفة.
انتظر حتى حانت الفرصة وانتهزها، تبادلا بعض الجمل الواردة في مثل هذا الموقف، ثم قال لها عبر كاسات الشاي وسندوتشات الجبنة والمربى: “يومًا بعد يوم ينمو البناء ويكبر، طالما هناك ما….” ثم صمت.
سألته:
– طالما هناك ماذا؟
ر كب موجة الحديث المرتفعة، وقال لها:
– يؤسفني يا سيدتي أن أخبركِ أن المال غير كافي لإتمام قصر أحلامك، وهذه الأوراق والمستندات توضح لكِ
ثم وضع يده على ذقنه وأخذ يلعب في لحيته الصغيرة الخشنة، وقال: هناك وسيلة إذا تبعتيها ستساعدكِ وتخرجكِ من هذا المأزق.
– وسيلة! ما هي؟
– هي الاقتراض من المصرف، أقساطه مريحة والسداد ينتهي على أمد بعيد، أي نعم هي قرضة ربوية لكنها هي الحل الذي أمامك. أسرعي وقدمي عليه حتى تحصلين على المال في أمدٍ قريب وينتهي بناء قصر أحلامك في الفترة المحددة وعلى الوجه الذي ترغبين به وإلا سيقف عظامًا منزوع اللحم ومسلوخ الجلد.
ضحكت من قلبها ثم ردت عليه:
– لا أحتاج إلى قرض بنكي، سوف أسافر غدًا صباحًا إلى بلدتي لجلب المال، فقط دع هذه الأوراق عندي.
– حسنًا خذيها انها لكِ، ونحن سوف نعتني بهيكل بيتك ريثما تعودين إليه بالسلامة.
شعرت بالمؤازرة ما منحها شعورًا نادرًا بالسعادة، وحولت الكلمة الشفاهية التي كانت بمثابة عقد بينهم إلى عقد كتابي إلزامي حيث وضعت إمضائها على ورقة بيضاء تم مسحه بالماسح الضوئي وحفظ على جوال المهندس (بتنسيق jpg ).
الروح/ صفية باسودان