مقالات مجد الوطن

(بيتٌ في أرض النسيان)

 

في بيت الماضي حجرات عديدة،
غرفُ الذكريات التليدة..
حيث بهو الدار رحابٌ يشمل كل عتيق..
ومجلس الضيوف يزينه أثاثٌ غابر لكنه أنيق ذو بريق..
وكريستال الثريات يضوي كأنما نجم يتلألأ..
كل ثريا خبراتٌ شتى قدر ماساتها من حبات الكريستال تلمع،
في الممرات طيور الحنين تغدو وتروح محلقة سارحة..
تحملكَ قدماك قسرا إلى طابق أعلى،
حيث المعراج حبلُ الأمس تنوء درجاته تحت وطأة آنِكَ الحالي،
ها أنت في ممرٍ تحيطه يمنة ويسرة غرفُ الذكريات المتداعية ..
الغرفة الأولى لكبرى بنات أفكارك من ذكريات الطفولة..
يالبهجة البراءة بين صيحات العرائس الملونة والألعاب المزركشة..
تليها حجرة الوسطى من تداعيات الشبيبة والمراهقة،
ثم غرفة مشبعة بأريج الحب وذكريات القلب وشجونه..
ورودٌ تحلق وقلوب تتألق ودموع تُودِق وبسمات تنفلق صبحا وألقا..
بعدها حجرة يتمايل بابها قفزا، يفتح تلقائيا ليحتويك داخلها فتموج مع قطعها المبهجة قطعة قطعة، كيف لا وهذه حجرة ذكريات الفرح،
تغادرها متثاقلا تروم البقاء فيطاردك صوت ضحكات غابرة غاصت في تجاعيد وجنات الدهر ..
باب الغرفة التالية تعشش عليه طيور البوم وبيوت العنكبوت المنسوجة غزلا ببراثن ذكريات الحزن والألم السابقة،
لاتفتح بابها حيث أرضها زلقة يبطنها سرداب خفي نحو سحيقِ القبو الرطب المائجِ كآبةً وبردا وظلاما.
عجبا .. غرفة بعد ذلك موصدة،
بابها بلا أقفال ولا مفاتيح ..
حيرتك تملأ عينيك وتجذبك نحو سلسال صغير فوق طرف الباب، تمسكه فإذا الباب ينعق صريرا ليفتح عن مشهد عجيب:
مزيج بين واحة غنّاء هنا وكثبان رمل هناك ..
وموجة بحر مدللة في سقفها،
وقمة جبل تعانقه غيمات في قاعها..
كأنها أرض خيالية في أسطورة مُدّعاة ..
هي غرفة الذكريات المختلطة تداخلا ..
فليست بالحزينة فتوجع ولا بالفرِحة فتُسعد..
هي الحجرة الأكبر حيث المواقف المتداخلة والخبرات المتنوعة .
ينتهي ممر الطابق الثاني إلى درج علوي يقودك راغما نحو مصعدٍ سنينيّ وقوده الحنين وكهرباؤه الصمت والسرحان.
يا للروعة .. سطح المنزل حقل يتغنى بعبق وروده وزقزقة عصافيره وفي طرفه الخالي سفينةٌ زمنية ..
تحملك إلى:
مدينة الحياة ..
حي الحاضر ..
شارع الساعة ..

دار اللحظة ..
أدخلا بيتكما عزيزي القلب وسيدتي الذاكرة؛
حان وقت راحتكما على أريكتكما المعتادة بجانب زجاج بلوري ينقره طائرٌ مُلحّ يسافر بك يوميا في رحلات منتظمة نحو مدينة الذكريات..

هاهو ينقر مجددا ..
دعه يفعل فحقائبك من سفر الأمس ضاعت بين محطات الشجن..
لكن غدا سافر بلا أمتعة،
وعُدْ بحاوية حبور
وشنطة بهجة تدفعك لسفرٍ مستقبلي ..
وكفاك سفرا لدور الماضي..
إذ أن مطاره مهدم وهبوطه اضطراري،
ومطار الغد الآتي جميل ومدرجه ممهد..
اختر وجهتك.

د.فاطمة عاشور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى