مقالات مجد الوطن

(أيعرفني أحد؟)

 

يا لهذا الزمن..
زمن تقاربت فيه المسافات و سادت فيه تقنية الآلات و باتت كل أصقاع الدنيا تشترك في شبكة واحدة تلف الأرض كحزام ناسف ليس من بارود او رصاص بل من حبل يكاد يخنق رقبة هذا الكوكب ويقطع أوداجه حيث التقنية تملك الناس من حيث ظنهم بأنهم المالكون و تسيطر عليهم من حيث قناعتهم بأنهم المتحكمون، ضاعت الأسرار في زخم الموجات الكهرومغناطيسية التي شوشت على أهل الأرض و أزعجت حتى سحب السماء، و سبحت الأقمار الصناعية شامخة في فضاء مدار الأرض و لف الإزعاج سكينة هذا الكوكب و سرق طمأنينته فتحولت الأرض إلى مهرجان كبير ماجن يسوق سكانه نحو الهلاك ضجيجا.
هذا التحول الهائل من رتابة الساقية و براءة زقزقة العصافير إلى نقيق أجهزة الإعلام و وسائله المستمرة صنع طفرة خطرة لدى مواليد هذه الأجيال تكاد تتفوق على الطفرات الجينية فعالية و أهمية، طفرة نفسية و إجتماعية ثبتت فكرة الشهرة و الظهور لدى أغلب الشباب و الشابات بل و جميع الأعمار من مراهقين و أطفال وكهول. .فالسؤال الأهم في ذهن الكثيرين هو هل يعرفك كثيرون؟ و السؤال الأهم كم عدد الذين يعرفونك و يعجبون بك .
و لربما كانت أجهزة الإعلام وبرامجه وراء هذا الهوس للشهرة و الظهور والتألق، فالإعلام يمول برامجه لتكريس فكرة الاشتهار و التنجم عبر برامج تفريخ النجوم و النجمات حتى توفر نجم لكل مواطن عربي و صارت الشهرة لآليء تخطف بصر كل مراهق و شاب، و يتدفق العشرات لمثل هذه البرامج و وسائل التواصل تشتعل بكل مايغذي هذه الطفرة الوحشية حتى تعملقت و لم يعد باستطاعة أحد إيقافها و تحجيمها، تحول المجتمع إلى كثير من نجوم تسبح في فلك الشهرة و التعارف، و صار إطلاق برنامج أو قناة في اليوتيوب مهنة من لامهنة له بعد أن كان العلماء و القادة و المفكرون و الباحثون و المصلحون هم رواد الإعلام، أصبحت ريادة البرامج تشمل كل شاب لديه جهاز محمول و كفى و سقطت المعايير وتلاشت، و الانتقائية أضحت من أطياف الماضي فكل من لديه لسان تشدق و كل من لديه جهاز تكلم و تفيهق، و استظرف كل سخيف ليدعى بأنه كوميدي و تفنن كل مخيف منفر فادعى بأنه فنان و متمكن..
فغرقت الوسائل و التلفزيون و غيره في بحور السباب و الإسفاف و ضمور الفكر و ظهور الفساد، فالحبال فلتت على الغارب بلا حسيب و لارقيب و صارت تلك البرامج و مطلقوها هم النماذج والمثل العليا التي يستقي الأطفال و المراهقون منها قناعاتهم و موسوعتهم اللفظية و القيمية فقل لي بربك عن أي نهضة نتحدث و هذا حال أجيالنا، و الحقيقة لا أفهم للشهرة مزايا سوى أن يعرفني الناس و أتساءل ماذا و إن عرفوني!!!
هل يرفعونني للمجد و ما المجد في أن أكون معروفا و مشهورا ؟ ربما لكسب محبة الناس.. كل ذلك جميل و لكن ماذا بعد، يظل ذلك المغرور أسير فقاعة الشهرة الوهمية الزجاجية إلى ان تفقع و يسقط على الأرض فاقدا التوازن مكسورا متألما ، خاصة شهرة الغناء و الرقص و ماشابهها فالعرض أضحى أكثر من الطلب و الشهرة السريعة تذهب كما أتت من حيث كونها غلاف من غاز لايلبث أن ينفد و يتلاشى .
قال الحكماء : “كم من فرح مغمور و كم من شقي مشهور”، و ليست العبرة بالنجومية و الظهور ، بل اعمل لتتفوق و اختر مجالا محترما فإن اشتهرت بسبب تفوقك و تميزك بارك الله لك و لكن حذارى أن يكون الظهور هدفك فهو هدف هلامي سطحي يسرق العمر و الجهد و يهدر الوقت بحثا عن سراب و ينتهي الكثير بلا حرفة مفيدة أو درجة علمية مشرفة.

وهج 💜
الشهرة .. دار صماء بلا سقف
أو جدران ..
و بحر .. لجي بلا ماء و
زبد و حيتان ..
و ليل أبدي بلا فجر
يلوح بنور الشمس و يزدان ..

الشهرة طوق يقودك
جبرا نحو الإذعان..
لا أفهمها
و لاتدركني..
فأنا أعرفني..
و ذلك خير من..
ألف إنسان..

د.فاطمة عاشور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى