محمد الرياني
اليوم تعود بي الذاكرة إلى الأروقة والممرات البيضاء، وإلى صعود السلالم ، أتذكر الأوراق التي نحملها أو نتأبطها أو تلك التي تسقط من أيدينا فننثني لأخذها ونحن على عجَل، اليوم تمثل أمامي حالات الابتسام والمزاح والعمل الجاد والغرف المتجاورة التي لاتمنعنا جدرانها من أن نلتقي ونتجاذب الحديث ونتمازح ونتسابق إلى المكاتب، نودع ماجد الفقيه وداعًا نهائيًّا عن دنيانا الفانية وقد كان معنا في إدارة التعليم بجازان يشاركنا العمل الجاد وتبادل المزاح البريء الذي يخترق أوقاته كي يكون فاصل الراحة من الهموم الكثيرة، كان الفقيه بيننا رجلًا نبيلًا هادئًا قبل أن أترك زمالتهم كوني سبقتهم إلى المعترك وإلى المكاتب وسجلات التوقيع، انقطعت الأخبار على الرغم من سؤالي الدائم عنهم، وجاءت الأخبار في نهاية الأسبوع حاملة خبر الغياب الأبدي الذي لن ينجو منه أحد وكل نفس ستذوق هذا الغياب عن الدنيا، يرحمك الله زميل العمل وقد كنت الجار الأنيق والطائر الأبيض المحلق الذي يتنقل في فضاءات عمله بجناحين جميلين وسط نسائم رائعة من الفصول الفريدة التي كانت تحيط بإدارة التعليم، كان ماجد الفقيه من الجيل الرائع الذي سكب على العمل شهد العلاقات والأخوة الصادقة بعيدًا عن حب الظهور والشهرة أو الطموح الزائف، هو من الجيل الذي يرى أن حياة العمل هي حياة إخاء وصداقة وعلاقة سامية بعيدًا عن اللوائح المعلبة أو التوجيهات المشددة، وهكذا يغادر الرائعون وقد تركوا خلفهم حدائق من الورود والأزهار الجميلة من أجل أن تجد في الممرات من يشمها ويترحم على صاحبها، وداعًا ماجد الفقيه، ستنام نومة طويلة تحت الثرى وقد تركت إرثًا جميلًا من الحب والود بين مَن عرفوك.