مقالات مجد الوطن

في مونديال قطر؛ اتفق العرب على أن يتفقوا

ــــــــــــــــــــــ

إنه مونديال العجائب حقا، ما كان فيه لم يحدث قط من قبل، وربما لن يحدث أبدا.

فقد اُفتتِح مونديال قطر باسم الله، وبآيات من القرآن الكريم، واختُتِم ببشت عربي، توشَّح به كابتن المنتخب الفائز، اُفتتِح مونديال قطر بالاعتداد بالانتماء الديني، واختتم بالاعتزاز بالانتماء العربي.

في مونديال قطر غاب التحرش، واختفت الجريمة، وحُفظت الحرمات ورُوعيت الكرامات، ومُنع كل سلوك خارج عن الفطرة، وحُرِّم كل فعل خادش للحياء، مُنعت شعارات المثليين، وخاب وخسر من رفعها؛ لأنه وجد صدا واستهجانا من الجميع، ومنعت الخمور في الملاعب، فعاش النساء أكثر مونديال آمن؛ فرعى الحمل مع الذئب، وسارت الظعينة آمنة مطمئنة لا تخاف إلا الله.

في مونديال قطر اتحد العرب تحت راية الدول العربية المشاركة؛ فتجد العرب صفا واحدا خلف المنتخبات العربية التي تلعب، فوجدت منتخبات السعودية وقطر وتونس والمغرب تشجيعا ودعما من جميع الجمهور العربي.

وحينما تأهل المغرب لدور الأربعة انضوت الدول العربية كلها تحت راية المنتخب المغربي، وتلفحت بعَلَمه، وأعلت شعاره؛ فكانت “الدوحة” دوحة ظليلة، بسقت فروعها، واستطالت أغصانها، فظللت الجميع بظلها.

في مونديال قطر، ما فرقته السياسة جمعته الرياضة، إذن هذه الأمة فيها خير إن صلحت النية، وصدق العزم.

في مونديال قطر كانت فلسطين حاضرة في جميع الفعاليات، وفازت بكأس العالم قبل أن تفوز به الأرجنتين.

في مونديال قطر عرف العرب طعم الانتصار، فقد أذلت السعودية الأرجنتين بطل العالم، وسحقت تونس فرنسا، واكتسحت المغرب محتلي الأندلس من إسبانيا والبرتغال..

في مونديال قطر تجد الهوية الإسلامية حيث اتجهت، وتلحظ الهوية العربية أنَّى تلفتّ.
في مونديال قطر غابت العبارة المسكوكة القديمة: “اتفق العرب على ألا يتفقوا”، فاتفقوا فعلا، ووُحِّدت كلمتهم.

في مونديال قطر حضر اللاعبون بعائلاتهم، واحتفلوا مع أمهاتهم وزوجاتهم وأبنائهم وبناتهم.

في مونديال قطر كان رؤساء الدول الأوربية يجلسون آمنين مطمئنين، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، وينزلون أرضية الملعب، وهم لا يستطيعون فعل ذلك في دولهم مخافة أن يُضربوا “بالكف” أو يُرشقوا بالبيض الفاسد، والطماطم النتنة.

في مونديال قطر استمتع الجميع بمشاهدة عدد مقدر من مباريات كأس العالم- في منازلهم- بكرم قطري حاتمي، لا سابق له، حينما كان الناس يُحرمون من المشاهدة إلا بعد الاشتراك.

نجحت قطر ليس لأنها من أهل الدثور، وكونها دولة غنية، تمتلك المال الوفير.
نجحت قطر؛ لأنها خططت، واستفادت من كل الخبرات، وتوقعت كل الاحتمالات، ووضعتها في حسابها، وأعدت خططا بديلة.

نجحت قطر لأنها لم تلتفت للمثبطين والمخذلين، وتحدت نفسها قبل أن تتحدى جميع الرهانات التي توقعت فشلها، والتي سقطت مع حفل الافتتاح واستمر سقوطها تباعا إلى حفل الختام.

لقد أتعبت قطر من بعدها، فإشفاقي الكبير على منظمي المونديالات اللاحقة، كيف يستطيعون أن يلحقوا ركب قطر في جودة التنظيم، وبهاء الإعداد، فقد كان تنظيما ليس فيه ولا غلطة واحدة، وإعدادا لم تَشُبْهُ ولا شائبة ، كل شيء كان مرتَّبًا وموقَّعًا ومنغَّمًا، كل شيء حدث كما ينبغي ، إنها دروس في التخطيط ينبغي أن يستفيد منها الجميع.

ــــــــــــــــــــ
طارق يسن الطاهر
Tyaa67@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى