عبد القادر عوض رضوان*
بعد نجاح نسخته الأولى التي أقيمت بالرياض أواخر عام 2019م تحت مظلة هيئة الصحفيين، تحتضن الرياض «المنتدى السعودي للإعلام» بنسخته الثانية خلال الفترة من 20 – 21 فبراير الجاري، والتي يشارك فيها نحو 1500 من القيادات الإعلامية والخبراء والمحللين والمتخصصين من دول عربية وعالمية، حيث يشهد المنتدى تكريم الفائزين بجائزته ممن خدموا المجال محلياً وعربياً.
ولعل ما يلفت النظر في هذا المنتدى المتميز أنه أصبح منصة للحوار حول واقع ومستقبل هذا القطاع الحيوي، في ظل ما يمرّ به من تحولات على المستوى العالمي، استطاعت مواكبة المتغيرات بسرعة مدهشة، والتسابق في ميادين التنافسية من خلال صناعة محتوى فريد تتسيَّد السرعة والرقمنة والمصداقية عناوينَه البارزة.
ونجزمُ أنّ ما سيتمخضُ عن هذا المنتدى من مبادرات وتوصيات سيسهمُ بفاعليةٍ في إيجاد صناعة إعلامية محترفة وملهمة.
كما يسترعي الانتباه في هذا المؤتمر أنه سيشهد تكريم الفائزين بجائزته في عدد من المجالات ممن خدموا الإعلام محلياً وعربياً، وهو الأمر الذي يؤسس لإيجاد بيئة تنافسية في العمل الإعلامي تحفِّز المؤسسات المعنية المتخصصة والإعلاميين والخبراء على تقديم الأعمال المميزة التي تستحقُ الاحتفاء.
ولأنّ المنتدى سيتطرقُ إلى حزمة من القضايا الساخنة، وسيناقش في جلساته موضوعاتٍ هامةً من قبيل: مواكبة التلفزيون والصحافة للتحولات الرقمية، وأهمية الإعلام الرقمي، وتسويق المحتوى، والمنصات الحديثة، كما يناقش واقع الإعلام العربي، والتوجهات المعاصرة في القطاع، والعديد من القضايا المتعلقة به.
فإن الأمر يقتضى تقديم اقتراح بمناقشة تطوير الكوادر المتخصصة في مجالات الإعلام العربي بحيث يستطيعون صناعة الحدث لا نقله، كما يستطيعون أيضاً أن يجعلوا محتويات مخرجاتهم الإعلامية أدواتٍ فعالةً في تشكيل أنماط السلوك الإيجابي المجتمعي، في ظل تحديات تكنولوجيا الاتصال والإعلام الرقمي التفاعلي، وارتفاع وتيرة المنافسة الإعلامية في عالمٍ أضحى قريةً كونية.
وهذا ينادي بضرورة العناية بإعلام التكنوقراط (المتخصص) – إن صح التعبير- الذي يحققُ الجودة والإبهار في إيصال الرسالة المستهدفة إلى الجمهور، بحيث يكون لدينا إعلاميون يحملون مختلف التخصصات، يقدمون أنماطاً متميزة من الإعلام: كالاعلام الطبي والهندسي والرياضي والصناعي والديني والاجتماعي والثقافي والتربوي والتقني.. الخ..
ولعل معظمنا قد لاحظ كثيراً من التداعيات السلبية التي ألقت بظلالها القاتمة على واقع الإعلام العربي خلال العقود الماضية، والتي نتجت عن ضعف الأداء بسبب غياب التخصص في بعض القضايا المثارة، بكل ما يترتب على ذلك من ضعف المحتوى وتشتّته وتلاشي مستهدفات الرسالة.
وكأني بي أقترح إلحاق (مواد إعلامية مكثفة) إلزامية في الجامعات العربية في مختلف الكليات والتخصصات بما فيها الطب والهندسة، حتى يستطيع خريجوها العملَ باحترافيةٍ في هذا المجال إن كانوا يرغبون الخوض فيه.
ولعل تجربةَ نجاحِ الإعلام الخيري، والاستشارات والدراسات المتخصصة، في منظمات القطاع غير الربحي بالمملكة، والتي برزت في العديد من المؤسسات الرائدة فيه كمؤسسة الملك خالد الخيرية، وجمعية البر بجدة، وجمعية ماجد بن عبد العزيز للتنمية والخدمات الاجتماعية، ومجموعة الأغر، ونجاح تلك المنظمات في ابتكار برامج تنموية عديدة تساهم في تلبية احتياجات المجتمع، وتميُّزها في تقديم صورة مغايرة للصورة التقليدية القديمة التي استقرت عقوداً في الذاكرة الجمعية، والتي كان القطاع الخيري فيها ينتهج الفلسفة (الرعوية) القائمة على تقديم ما يصل من تبرعات يتم تحويلها للمحتاجين!!
نقول: لعل ذلك يؤكد الدور الفاعل للإعلام الخيري (كإعلام متخصص) ضمن منظومة الاتصال المؤسسي، في تغيير أنماط تلك الصور الماضوية، و(استبدالها) بصور معاصرة تبين التحول الكبير في مفاهيم العمل الخيري التنموي واستدامته وتحوُّل منظماته إلى روافد تنموية تساهم في نمو الناتج المحلي من خلال تقديم الخدمات الاجتماعية التنموية القائمة على الاستثمار الاجتماعي، وبما يصب في بوتقة المشروع التنموي وفق رؤية المملكة 2030.
فهذا النموذج من الإعلام الخيري (المتخصص) يستحق أن نستنسخه في مختلف مجالات العمل الإعلامي ضمن أنساق التخصصات الأخرى.. وصولاً إلى مواكبة القيم والأدوات الجديدة المعاصرة التي فرضتها تحولات الإعلام، والتي تستدعي بناء منابر إعلامية جديدة وفق بُنى تنظيمية وبكوادر مدربة مزودة بالمعارف والمهارات التي تعزز تنافسيتها على مضمار السوق الإعلامية.
فهل نرى مبادرات لوضع محاور قضية (الإعلام المتخصص) -“إعلام التكنوقراط”- على مائدة المنتدى السعودي للإعلام؟ .. هذا ما نرجوه.
*المستشار الإعلامي لجمعية البر بجدة