مقالات مجد الوطن

( وزلزلت ذات فجر..)

 

الكون أسرار وغموض لانهاية له، حيث الإبداع الإلهي يتجلى في ملايين الصور والمواقف والتكوينات.

هذه الأرض والتي ينتهي عندها حدود علم الإنسان بوجود الحياة، إذ أن من الممكن أن تكون هناك عوالم أخرى بمخلوقات مختلفة وأنظمة مغايرة فالله الخلاق قادر على كل شيء.

دعونا نبقى مع أرضنا فما بُثّ فيها من عجائب يكفينا ويفيض..

وكم أتعجب لنهم البشر لغزو الفضاء وهناك من أسرار أرضهم مالم يقدروا على فك شفرته وحل عقدته.

من هذه العقد كارثة الزلازل، إذ فشل ذاك المتشدق بعبقريته من الوصول لآلية تحدد مواعيد متوقعة لها، عرف العلماء إمكانية مكان حدوثها لكن وقتها مامن جهاز يرصد ولا قانون يحسب فيتجلى الموعد المتوقع .

الأرض – والذي قرر الله تعالى أن خلْقها والسماء أكبر من خلق الإنسان- تظهر يوميا دلائل تدل على مدى وجود الإتقان في خلقها وإنشائها.

الأرض جرم عجيب غير متوازن من حيث الجوهر والمظهر، فلبّ الأرض جحيم مستعر كمرجل عملاق وقشرتها أرض ثابتة، ويبطن القشرة طبقة صخرية؛ هذا الاستعار المستمر يحاول مستميتا إذابة ذاك الصخر المحيط لكنه لو ذاب لتمدد ، وربما انفجرت الأرض وحالت إلى أشلاء وشظايا تتبعثر في الفضاء، لذا كان المتنفس الوحيد لهذا الغضب المزمجر باطنا هو زفير يطلقه باطن الأرض على هيئة زلزال أو بركان، فالزلازل والبراكين وإن كانت من آيات الله وهناك آثار في السنة تؤكد كثرة الزلازل في آخر الزمان وعمر الفاروق أشار إلى ربط ذلك بالمعاصي والفتن ، ولكن أيضا جعل الله لحدوثها تفسيرا علميا منطقيا لا يتعارض مع كونها آيات من عند الله.

أحبتنا في سوريا وتركيا استيقظوا قبل أسبوع على هلع يخلع القلوب وامتلأت القبور موتى من جرائها ورصدت آلاف الحكايا الموجعة لأطفال نجوا وأسر طُمرت ونزفت قلوبنا ألما معهم ومن أجلهم، ولا ملجأ لنا سوى من أوجد الزلازل ليرفع عنهم همها وشرها ويصلح حالهم.

عودة إلى أرضنا المحيرة، أتعجب لغرور الإنسان الذي فرح بالهرولة بين الكواكب ورصد البوابة الأخيرة في الكون ولايزال عاجزا عن معرفة متى تنشق الأرض تحت قدميه وتهتز وتميد فتبتلعه!!

يدلي العلم بسر خطير عن الصفائح التكتونية والتي تربط قشرة الأرض بعضها ببعض كلعبة القطع أو ال “puzzle” ، إذ تتحرك هذه الصفائح تبعا لحركة الطبقة الصخرية تحتها والمتأثرة بالحرارة الهائلة للجوف الملتهب ، والحركة بين هذه الصفائح بأنماط عدة يؤدي لحدوث الزلازل.

يا لهذا الإبداع والتعقيد الدال على عظمة الخالق وضآلة الإنسان.

ومن العجائب اكتشاف توقف لب الأرض وانعكاس دوران محورها مما فسره البعض بأنها بداية النهاية وطلوع الشمس من مغربها.

وكثرت الشائعات؛ وانتشرت الفتاوى العلمية والتوقعات، وفي نهاية الأمر علينا أن نسلم أن هذه الأرض بل الكون الذي هي نقطة في أفلاكه إنما تدار بنواميس خالقها، نتوسله فيرحم وندعوه فنَسلم .

فهاك فتاة ترطب جفاف حلقها بقطرات مطر انزلقت إليها بين أكوام حجارة السقف الذي وأدها، وتلك أم يتوقف قلبها وينبض آخر لطفلتها الهاربة من برودة جسد يموت لدفء حياة تبدأ، وذاك الذي عاش أسير سقف وجدران بيته في تابوت إلزامي لأيام ظنها سرمدية، كيف يشعر الإنسان الأعزل حين تغلفه الحجارة من كل جنب ويعيش أياما تصادق أذنه نبضات قلبه ونيسا، والجوع يقرص والبرد يلسع والظلام يجثم ماردا على صدره، وقد يشق الصمت أصوات المنقذين عن بعد في انتظار متأمل ليد تسحبه من مملكة الحجارة المحيطة .

سجن هو قبر نجا منه البعض والبعض قضى الساعات حتى تلاشت علامات الحياة والعين ترمق كسير الحجر ونتوء الحديد، ما أبشع ما خبره كلاهما : الناجي والهالك، رحماك ربنا.

الأرض ما بين شاعرية سطحها في لوحة غروب الشمس وبهاء قوس قزح وبين سعير جوهرها تكمن شفرة هذا الكون الجامع بين المتناقضات، فروعة تتلألأ من صهير وجمال يسحر من هدير .

وصدق البيان “سبح لله مافي السموات والأرض” ..

الجرم الأزرق يحتضن رعاياه ومابين شهيقه وزفيره قد يقصف ويؤلم وقد يسعد وينعم .

 

د.فاطمة عبدالله عاشور

سيدة الوهج والحرف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى