مقالات مجد الوطن

(ضياع الهويّة الذاتيّة)

 

الكاتبة/أحلام بكري
…………………………
عندما كنا في معزل عن الأحداث الخارجية ، ولم تكن هناك شبكة عنكبوتية و لابرامج تواصل اجتماعية ولا هذا الكم الهائل من القنوات الفضائية ؛ سعِدنا بذواتنا ووجدنا أنفسنا وفهمنا أرواحنا وارتقت أفكارنا ونضجت عقولنا مبكراً..
احترمنا أنفسنا قبل أن نحترم الآخر ، وكان مقياس الحرام والعيب ثابت يردع القلوب عن الزلل والخطأ ، ودفئ الأسرة ملموس ، والتفاهم والتقارب بين العائلة قائم على الحب ، وقّرنا الكبير واحترمنا الصغير منهم..
.
تجد فتى العاشرة يتصرف تصرف الرجال وفتاة الثانية عشرة أم لإخوتها الصغار ، يسعدنا الخلوة بكتاب ونبتهج بصحيفة ومجلة ومقال ، نتسمّر أمام شاشة التلفاز..
شربنا الأخلاق السليمة من أفلام الكرتون القديمة ، الصدق والكرم وحسن التعامل والصداقة والإثار..
وعند البرامج التثقيفية تجدنا علماء صغار ، اندمجنا بمسلسلات عربية أصيلة كانت نِعم الطرح للأفكار ، مع نقاش العائلة أجمع ، حول أحداثها الاجتماعية والعاطفية العفيفة بعيدة عن العُهر والإنحلال والإنحطاط..
.
انحدر الحال بمجرد انفتاحنا على العالم الخارجي ، وتعددت القنوات وكثرت برامج التواصل الاجتماعي ؛ التي سلختنا من أنفسنا وأبعدتنا عن منازلنا ودفئ عائلتنا ، وأخرجتنا من عاداتنا وتقاليدنا وألبستنا ثياب الشهوة والرغبة لما في حوزة الغير ، وأعمّت أعيننا عما أنعم الله به علينا ؛ مسحت القناعة وزرعت التطفل والفضول والحسد والغِل وأفسدت الذوق العام ، وانطبق علينا قوله تعالى:-(وَ لَاتَكُونُوا كَالَّذِين نَسُوا الله فَأنْسَاهُْمَ أنْفُسَهُْم) ، سورة الحشر آية ١٩
.
كثرت الرسائل الدينية والتثقيفية والاجتماعية والتوعويّة وبناء الذات عبر وسائل التواصل الاجتماعي ؛ فأزددنا جهل على جهلنا ، الذي بات واضحاً في تصرفاتنا وتعاملاتنا مع بعضنا الآخر ، حينها نكتشف بخيبة أنها مجرد رسائل لا تُقرأ بل تُعمم بالقص واللصق والإرسال ؛ لانعي ما فيها ، أصبحنا جُهلاء فكر وعقل وتصرف ، رغم أن شرائح المجتمع تنوع فيه حملة الشهادات العالية ..
.
متى العودة للعقل والمنطق في خضم هذا العبث وهذا الغث..؟ لم نعد نجد أنفسنا الحقيقية ، نحن نعيش حالياً حالة من التوهان وضياع الهوية الذاتية..
قال الشاعر:
النفس في خيرها في خير عافيةٍ والنفس في شرّها في مرتعٍ وخمٍ..
………………
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى