د. ضيف الله مهدي
هو السيد الشريف حمود بن أحمد بن محمد الاعجم المكتلي النعمي ، الشهير بالسيد حمود بللعحم . ولد عام ١٣٣٦هـ. بمدينة بيش وقد نشأ تنشئة دينية حيث قرأ القرآن الكريم على يد العديد من معلمي المساجد والكتاتيب قبل العهد السعودي الزاهر وكان قد ختم القران على يد أحد معلمي القران . من الجنسية اليمنية بمسجد أوقاف ابن هملان جوار بئر البرود المعروفة ، والتي يقع عليها حاليا المسجد المكون من دورين .وبشر بذلك عام ١٣٤٦هـ. والبشارة هي أن من يختم القرآن حفظا وتلاوة يرتدي أجمل ثيابه ثم يستقل حمارا ويحمّل على ظهر الحمار زنبيلين كبيري الحجم ويطوف على أهل الحي والاحياء المجاورة وخلفه مجموعة من اقرانه يسيرون خلفه في موكب بهيج احتفاءً بحفظه القرآن الكريم ، وكلما دخل هذا الموكب لدار من دور أهل الحي بدأ الحافظ ينشد ارجوزة الختام ومطلعها:
الحمد لله الذي تحمّدا
حمداً كثيراً ليس يحصىى عددا
ثم الصلاة والسلام تًهتدى
لخير مرسلٍ هدى وسددا
وهي ارجوزة طويلة يحمد الله فيه خاتم القرآن أن وفقه لحفظ كتاب الله ثم يصلي على النبي ويدعو لشيخه ووالديه وبعد الارجوزة يتلو آيات من القرآن الكريم .حيث يقوم أهل الدار بوضع كمية من حب الذرة في الزنبيلين وهكذا يطوف على باقي المنازل حتى يمتليء الزنبيلان بالحب فيذهب بها إلى شيخه ويسلمه له جزاء له على إقرائه وتحفيظه القرآن الكريم .
وكان السيد حمود ممن التحق بمدارس القرعاوي برفقة الشيخ إبراهيم بن يوسف فقيه والشيخ الحسن عكيري وغيرهم
حيث تعلم مباديء الكتابة والفقه والتوحيد لكنه لم يستمر لانشغاله بنشاطه الزراعي الذي لاينقطع طوال العام عطفا على ثراء وادي بيش وسيوله التي لا تنقطع.
وعندما تأسس مسجد الصائم تناوب على الآذان والامامة والعناية بالمسجد هو والوالد أحمد محمد دهاس عم الأستاذ الشاعر
أحمد دهاس احتسابا لوجه الله الكريم ويشاركهم في خدمة المسجد جيرانه ، خاصة الوالد علي سيد والوالد أحمد دهاس والوالد موسى خرمي والوالد عيسى بن منصور شويع.
وفي أوائل التسعينيات ومع استحداث وظائف مؤذنين وإمامة لبعض مساجد بيش ومنها مسجد الصايم عرض عليه الشيخ جبريل حكمي رحمه الله قاضي محكمة بيش وقاضي هيئة التمييز سابقا ، وظيفة إمام للمسجد لكنه اعتذر وقبل بوظيفة مؤذن وعين الوالد عيسى بن منصور فقيه إماما
لكنه ظل يقوم بامامة المصلين نيابة عن الوالد عيسى منصور فقيه في غيابه طلبا للأجر والمثوبة كما كان رحمه الله يقدم الزميل الأستاذ أحمد دهاس للإمامة وصلاة التراويح خاصة في السنوات الأخيرة من عمره.
وكان السيد حمود ذا صوت عذب شجي مبلل بالخشوع والحزن ومخافة الله . فكان إذا قرأ القرآن خشعت القلوب ودمعت
العيون وكان رجلا متدينا عفيفا نظيفا ذاكرا شاكرا صائما قائما محبوبا من الجميع وهب حياته وجل وقته للإصلاح بين الناس والتوفيق بين الأسر في الزيجات وكم زوج من شباب وشابات وفق بينهما في الحلال وكان يختاره أمراء بيش وقضاة المحكمة
لإصلاح ذات البين والفصل في خلافات حدود الأرض وأوجه الماء في البلاد الزراعية وكان ذا وجه مقبول حيث جعل الله له قبولا
عند الناس فلا ترد شفاعته ولا يكسر قوله محبة وتقديرا وقد متعه الله بكارزما خاصة
وذاكرة حافظة ولسان مبينا وقدرة على الاقناع وهو راوية ثبت يحفظ تاريخ بيش
وأنساب أسرها ، وأحداثها كأنما يقرأ من كتاب.
أشتهر رحمه الله بعلاقاته الواسعة على امتداد المتطقة سهلا وجبلا فحيث ما حل وجد الترحاب والاحتفاء والتكريم . لقد عاش حياته زاهدا عابدا مصلحا بين الناس . وقد وفقه الله فحج أكثر من ٢٠ حجة .
في آخر أيامه خف بصره واشتد عليه المرض ولم يعد قادرا على القيام بالأذان فتحرج من الراتب إبراء للذمة .
يقول الأستاذ محمد النعمي : ” استفتيت له الشيخ محمد شامي شيبة قاضي محكمة بيش سابقا ومفتي منطقة جازان حاليا ، فقال: ” سلم لي عليه وقله يوكل من يشاء ولو بأجر ولا حرج عليه في أخذ الراتب “.
وعلى محدودية الراتب وخلال مرضه كان في كل شهر يعطيني ٣٠٠ ريال أو صلها لثلاث أشخاص بواقع ١٠٠ ريال لكل واحد صدقة لوجه الله الكريم .
ولقد انطوت هذه السيرة العطرة فجر يوم جمعة من شهر شوال عام ١٤٢١هـ ، عن عمر ناهز الـ٨٦ عاما.
كتب عنه الأستاذ الشاعر أحمد دهاس الوالد حمود سيد او حمود بلعجم : ” كان جارنا الذي أراه دائما يزورنا ويقضي معنا أوقاتا ممتعه كنت أسمعه يتجاذب مع والدي الأحاديث المتنوعه كما هو مع جيرانه فقد آتاه الله بلاغة في الحديث وحافظة قويه يتفقد جيرانه ويحرص على صلة الرحم والسؤال عنهم وقد عرفته من صغري بتدينه والتزامه فهو مؤذن مسجد الصائم الذي يحضر قبل الأذان بوقت كاف فمن المعروف أنه كان من أوائل المؤذنين ببيش وهو إمامنا إذا غاب الإمام له قراءة خاشعة لا تمل منها كان هو وأخوه الوالد علي سيد والد الأستاذ محمدالنعمي وعمي الوالد أحمد دهاس والوالد موسى خرمي أعمدة المسجد فكانوا يقومون بتنظيفه وتبخيره وإنارته قبل دخول الكهرباء وتوفير المياه فيه لقد كان الوالد حمود رجلا متدينا يخشى الله ويذكره في كل وقت أذكر أننا سافرنا أنا والوالد إلى جدة وكان في معيتنا الوالد حمود فكان كلما توقفنا في الطريق أراه يذهب إلى المسجد فيتوضأ ويصلي ولقد كان الوالد حمود سيد محبوبا من كل معارفه فهو شخصية اجتماعية يقوم بإصلاح ذات البين فكم من زوجين أصلح بينهما وكم من مشكلة قام بحلها وكم أصلح بين متخاصمين كل ذلك لمكانته الاجتماعية ومحبته في قلوب الناس وكذلك كما أسلفت لبلاغته وقدرته على التأثير”.
يقول الشافعي رحمه الله تعالى :
إذا ما مات ذو علم وتقوى
فقد ثلمت من الإسلام ثلمة
وموت العابد القوام هدم
فكم شهدت له بالليل ظلمة
وموت الحاكم العدل المولّى
فإن بقاءه في الأرض نعمة
وموت الفارس الضرغام هزم
فكم شهدت له بالنصر عزمة
وموت فتى كثير الجود محل
فإن بقاءه خصب ونعمة
فحسبك خمسة يبكى عليهم
وباقي الناس تخفيف ورحمة
وباقي الناس همج رعاع
وفي إيجادهم لله حكمة
رحم الله شخصيتنا وعلمنا البيشي السيد الشريف حمود سيد ، رحمة واسعة وجعل الجنة داره وسكنه .
=========
المصدر :
١-الأستاذ محمد علي سيد النعمي
٢-الأستاذ أحمد هادي محمد دهاس