…………………
أيها المتقاعد ، في حياتك السابقة المكتظة بالأشغال ، لن أقول تعطّلت لديك (مهارات الملاحظة السمعيّة والبصريّة) للأشياء من حولك بمتعة وشغف ولذة وامتنان ، وإنما هذه المهارة ضعفت ،وتم ركنها بزاوية مظلمة ، آن أوان إخراجها من ركنها المظلم والبدء في العمل عليها وتعزيزها وإعطائها حقها بشكل يليق بها..
مازلنا متفقين على شريعتنا السابقة في إحراق الماضي وتغيير طريقة التفكير بشكل يتناسب مع مرحلة التقاعد والعمل على تعديل السلوك بما يتوافق مع ذلك..
.
إعمال الحواس (السمع والبصر والنطق) عبر الملاحظة أو المشاهدة بتأمل ، والسماع بشفافيّة ، والإنصات برويّة و وعي وفهم ، والحديث الراقي من خلال زاوية المتعة والشغف ؛ هذه الأشياء تحتاج لشيئين:
“روحٌ متوهجةٌ وانسجامُ فكرٍ”
بدرجةٍ عاليةٍ جداً من الإيجابية والنور الناصع ومجانبة السلبيات والعتمة المطبقة على الروح والفكر..
ويمكنك فعل هذا في مواقف كثيرة أبرزها مثلاً :
عند جلوسك مع مجموعة من الأهل أو الزملاء القُدامى أو الأصدقاء في لقاءات عفوية أو عند تناول الطعام مع بعضكم البعض أو أثناء الخروج في نزهة أو للتسوق ، شاهد وترقّب واستمع لطريقة التحاور فيما بينكم عبر ايطار المتعة وشاركهم بالحديث بشغف وتلمس جمال الأرواح المحيطة بك وابحثْ عن كل جميل ولافت بشخصية كل فرد منهم ، عش معها بروحك وتلذذ بذلك ،واستمتع بجلوسك معهم بكل صفاء ذهن وكأنها المرة الأولى مع ملاحظة المكان والبحث عن مكنونات الجمال فيه ، واستشعار الجو العام الذي أنت به ، وما بين الدقيقة والأخرى الهجْ بلسان حالك ممتناً و حامداً الله على هذه النِعم الجمّة التي تحيط بك من كل الجهات..
.
وكذلك عند جلوسك أمام شاشة التلفاز تُشاهد وتتابع وتستمع لشتى المواد المعروضة أمامك مثل : “رواية من خلال فيلم أو قصة بمسلسل أو مسرحيّة عريقة ، أوحفل موسيقي وغنائي ، أو فيلم وثائقي ، أو مادة أخبارية أو رياضية أو سياسية” عليك أن تختار ما تميل له نفسك وترغب في قضاء وقت ممتع معه ، اندمج بتشغيل كل حواسك السمعيّة والبصريّة لما تشاهده أو تسمعه ، عش هذه اللحظة وكأنك تعيشها لأول مرة باختيار الوقت المناسب والمكان المريح ، تابع واستمع بشغف بمفردك أو بصحبة من تُحب ، واستشعر أنك في معيّة الله ، ترفلُ وتتقلبُ مع نِعمه وتفضله وكرمه عليك ، والهج مُردداً “الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك”..
.
تنظيم الرحلات أو المشاركة في تنظيمها هي الوقود الأول في شغف الحواس ، سواء كانت الرحلات (بحريّة أو بريّة أو جبليّة) ، ومع مجموعة من الأحباب من الأهل والأصدقاء والزملاء السابقين الذين تشعر معهم بكامل عفويتك و بساطتك وأنت تتوسطهم ، هُنا تكمن متعة الحديث ولذة السماع وجمال المشاهدة ، و ثق أن تنوّع أماكن الرحلات لها وهجها وشغفها سواء ليلاً أو نهاراً ، فضاء البر واتساعه و تلألؤ نجومه ، وسكون أجوائه ورماله الذهبية ، يختلف عن هدير أمواج البحر ونسماته القوية ورطوبته و عبقه المميز ومداه المُطبق وطبيعتهُ المُتحركة ، بينما الجبال الشاهقة و تضاريسها الوعرة الصعبة تُثري حواسك بشكل مغاير بأجوائها الباردة و جمال صمتها المُهيب. استشعر جمال كل ما سبق ودقة صُنعها من قِبل بديع السماوات والأرض ، و سبح الله الخالق البديع الوهاب..
الرحلات تعمل على فتح حواسك بشكل مختلف وتجعل منك شخصاً آخر بروح مرحة وعقليّة مُنفتحة على الحياة ، والأمثلة التي تقوي شغف حواسك كثيرة جداً لا يُمكن حصرها ، فما أن تبدأ بتدريبها على المتعة والشغف ، لن تتوقف بعدها أبداً ..
.
يقول الفيلسوف ليف تولستوي:”إن مصدر الحياة ليس في الجسد ؛ بل في الروح”..
ولا تنسَ ترديد شعارنا الدائم (مُتقاعد ، لا تكلمني).
………………
الكاتبة: أحلام أحمد بكري