محمد الرياني
ما أروعَ الخَبْت ؛ الخَبت السعيد ! اتجهنا إلى شمالِ الخَبتِ كي نقرأ صفحاتِ الخضرةِ الفاتنةِ بعد المطر ، كلُّ الذين يرون العيونَ العسليةَ يغبطون أصحابَها عليها ، يتجرؤون ليطلبوها سلفًا كي يتباهوا بها ؛ في شمالِ الخبتِ السعيدِ يشعرُ أصحابُ العيونِ العسليةِ أنها سلبتْ من الخبتِ خضرته ، فتلونتْ بلونِ البراري ، قال المرافقُ لمرافقه في رحلةِ المتعة : انظر إلى عينيَّ ! ألم تكتسيا خضرةً كأرضِ الخبت ؟ ألا ترى على ضفافهما ندىً كحالِ البراري شمالَ الخبتِ البهيج ؟ ردَّ عليه : استمر فالبساطُ الأخضرُ لايزال في بدايته ، سأله عن الجمالِ الأخضرِ الذي حلَّ بهذه الأرضِ لتكونَ بهذه الفتنة ؟ صمتَ ودعاه ليستمتعَ ويدَعَ الكلامَ في حضرةِ الجمال .
نزَلا كي يُبصرا البساطَ الأخضر أكثر ، وجَدا الماشيةَ أكثر فرحًا ، غادرتْ أسوارَها وانطلقتْ بصوتٍ أعجميٍّ تُغنِّي للصباحِ شدوًا يليقُ بالخضرة ، اختلطتْ أصواتها بأصواتِ الرعاةِ الذين أضافوا للبهاءِ بهاءً تاريخيًّا ونشيدا ، لاتزالُ السماءُ تبشرُ بالمزيد ، تريدُ للأرضِ السعيدةِ أن تعيشَ أروعَ أيامها ، وأن تلبسَ أجملَ حللها ، وأن يكونَ رداؤها الأخضرُ سيِّدَ الألوانٍ في موسمٍ المطر.
مضى الوقتُ وشمالُ الخبتِ يتأبَّطُ رائحةَ المطر ، والبساطُ الممتدُّ ينثرُ عبيرَه كرائحةٍ الأعراسِ الفاتنة .
انقضى معظمُ الصباح ؛ لكنَّ الخضرةَ أمسكتْ بالظلالِ فاحتضنا وتشبثَ الندى بالمكانِ وكأنَّ الصباحَ يطلبُ البقاءَ لا المغادرة ، وكأن الخضرةَ لاتودُّ أن تلفحَها أشعةُ الشمسِ في يومِ البهجة.
ما أروعَ الخبت السعيد !
بدا صباحَه أخضرًا ، وعلى ثراه سكن البِشر ، جاء المطرُ ليُلبِسَ العاشقون للدويبةِ الصغيرةِ على الأرضِ وقد سمَّوها جَدَّةَ المطرِ خيوطَ الفرح ، حضر الغدير ، خرجَ العاشقون للمطرِ ليبذروا في جوفِ سُطورِ التربةِ أناشيدَ الحصادِ قبل مجيء السنابلِ كي يتألقَ موسمُ الحصاد .
ما أجملَ الصباح في الخَبتِ السعيد!
كتبَ المساءُ له في المساءِ أنشودةً !
كي يشدو في الصباحِ أغنيةَ الخلود.