قراءة إنطباعيّة في :-
استنكاراتٌ حُبلى ).
——-
أرتداني “السَّمُّ “صَغِيرَهُ ،
ضَاجَعْنِي الضَّيْمُ
حَتَّى أَتْلَفَّ قَلْبي ،
رَاوَدَتْنِي اِسْتِفْهَامَاتُ مُخَيَّمَةٌ بالاستنكارِوالتعجبِ.
تَرْتَدُّ بَين شقائق الأفكار وآهات موجوعة
هَلْ أَنَا نكرة لِدَرَجَةِ أَنَّ الْحَلْوَى لاتستدلُ طَرِيقِ فَمِي؟!
الْجَمِيعُ يُصَافِحُ الْمَارَةَ، يَلْعَبُوْنَ، يَضْحَكُوْنَ وَيَتَحَدَّثُوْنَ..
تَرْتَدِيهِ جُرْأَةُ الْبَدَارِ وَأَنَا أرزح تَحْتَ قَانُونِ الْخُذْلَاَنِ… وحدي مَعَ الْكَلِمَاتِ الْمُتَقَاطِعَةِ
أصففها وَأَقْفِزُ تِجَاهَ يَمِينِهَا لِيَنْجُو بِهَا الطَّرَفُ يَسَاراً ، وَأَسْهُو عَنِ اِخْتِيَارِ الصَّحِيحِ…
أَرْعَبَنِي الْكَمَالُ الَّذِي يَدَّعِيهِ ذَاكَ ، وَالْمِثَالِيَّةُ الَّتِي يُحَاوِلُهَا هَذَا ، وَأَنَا بَيْنَ قَوْسِيْنِ يَرْتَدُّ إلْي صَمْتِيُّ فِي كُلِّ لَطْمَةِ مَوْقِف .
——————-—
وأنا أتصفح العدد 32 من معزوفات مخملية المليئة بالمشاركات الأدبيّة الرائعة إخترت أن أقتبس هذه المشاركة للتعليق عليها ليس مجاملة الأستاذة عنبر المطيري ولكن لما تحمله هذه المعزوفة القصيرة من قضيّة إنسانيّة حبلى بالألم والمعاناة ..
ف (إستنكارات حبلى )سواء كانت بتنوين التاء مرفوعا أو بضمها هي صرخة مكبوتة في جوف الليل تطلقها مرارا وتكرارا ضحيّة التدجين ذات الإرادة المسلوبة والإختيار الخاطىء والخضوع الطوعي ..
.. .. في كتابه ( الاتفاقية الخامسة “حكمة التولتيك “يكشف دون ميغيل رويز كيف أن مسار ثقافتنا، أو تدجيننا، قد يجعلنا ننسى الحكمة التي ولدت معنا. نحن نبرم العديد من الاتفاقيات على امتداد حياتنا التي تذهب ضدنا، فنخلق لأنفسنا معاناة نحن بغنى عنها. وكم نحن بحاجة الى اتفاقية تحطم الاتفاقيات القديمة التي تقيّد ذاتنا واستبدالها باتفاقيات تأتي لنا بالحرية الشخصية والسعاد والحب .. وتأخذنا الى المستوى الاعمق من ادراك قوة النفس . وتعيدنا الى اصالتنا التي ولدت معنا …)
( إرتداني “السّم ” صغيرة ..)
هكذا تشير العنبريّة من خلال هذه العبارة ومن خلال معنى ودلالة اللفظ ( إرتداني ) الى أن عملية التدجين والبرمجة العصبيّة واستلاب الإرادة الحرّة تبدأ من الصغر وأن هذا التدجين القهري يأتي من العالم الخارجي للذات ومحيطها الحياتي وهو ما يحدث فعلا وبصور متعددة ، فيعيش الفرد منذ نعومة أظفاره حياة إستلاب وخُضُوع .
و ( السّم) هنا ليس حلية البحر وليس المادة السّامّة ، ومن الواضح أنها تقصد بوضعها بين قوسين وحسب سياق الكلام كلمة (سَمّ ) العاميّة الشائع استخدامها في منطقة ( نجد ) وهي بمعنى ( نعم ) ولكن دلالاتها أوسع من ( نعم ) فهي تشمل نعم وحاضر وأبشر وتحت الأمر ) في آن .. وهي تفيد هنا معنى الخضوع والموافقة بغض النظر عن موقف الإرادة الشخصيّة ..
(سم) لفظ يتسم بالطاعة المقرونة بالنخوة والشهامة والفداء .. وهو في نفس الوقت قيد يصفّد السيادة على الذات ويسحق الإرادة الحرّة ويترك الإنسان تائها ومتمزقا بين متطلبات الواقع التدجيني المنفصل عن الواقع الأصيل وبين الحريّة الذاتيّة أو الإرادة الحرّة ، وبمعنى آخر بين ( اللّا والنعم ، أو الخضوع والطاعة و الرفض والتمرد ) … وهكذا حال : يفضي الى القلق الوجودي المكتظ بعلامات الاستفهام والتعجب والإستنكار المخيّمة على الذات ، والهوس بهذا وذاك وسوء الإختيار المتكرر وفقدان الإتجاه والانفصال عن الواقع .. ف ( الجميع يتصافحون ، يلعبون ، يتحدثون ….
… وانا ارزخ تحت قانون الخدلان ) .. وهذا الإنفصال يفضي إلى الشعور بالإغتراب وإلى الهجرة العمليّة للذات الحرّة أو إلى الهجرة الإنعزاليّة داخل الذات كوسيلة للخلاص ، والعيش بصمت بين قوسين حين يتعذر الإنفكاك من أصفاد ( السّم ) ، وهي الحالة التي إنتهى إليها النص على الرغم من لطمات المواقف المتكررة .
( أَرْعَبَنِي الْكَمَالُ الَّذِي يَدَّعِيهِ ذَاكَ ، وَالْمِثَالِيَّةُ الَّتِي يُحَاوِلُهَا هَذَا ، وَأَنَا بَيْنَ قَوْسِيْنِ يَرْتَدُّ إليّ صَمْتِي فِي كُلِّ لَطْمَةِ مَوْقِف) .
——
عبدالحميد عطيف