شمس الأصيل وعبق تراب حارتنا ولعب الأطفال وصراخهم في أزقة الحارة ، لهُ لمسة حانية على شفاف القلب ، توجهتُ لدكان جدي -رحمه الله- الواقع في منزلهُ بشارع الملك فيصل ، حيث يجتمع شباب الحي أمامهُ بجلستهم الخفيفة اللطيفة مع خالي (علي) حفظهُ الله الذي يُدير الدُكان بعد وفاة جدي ، يتجاذبون أطراف الحديث وتُسمع ضحكاتهم الجميلة ، دخلتُ الدكان وأخذت كالمعتاد البسكويت المفضل لدي..
.
عند خروجي من الدكان وجدتهُ مسرعاً على دراجتهِ الهوائية المزيّنة بجميع أنواع الزينة ، فقد كان جارنا (عبده) ببشرته السمراء وشعره المتطاير مع الهواء وجسمه الخفيف النحيل وابتسامته الجميلة ، من محبي ركوب الدراجة ، جائل بدراجته داخل أزقة الحي والمطلق جرسها التنبيهي طيلة ركوبهُ تلك الدراجة ، كأنهُ يُعلن لنا مرورة الفاخر على تلك الدراجة ويقول رمزياً ، لا بالقول “أنا هنا لقد جئت أنظروا لدراجتي المًبتكرة”..
كان حريصاً على تزيينها بكل أنواع الأشرطة اللاصقة الملونة ، فلا نرى حديد الدراجة إلا باللون الأصفر والأحمر والأبيض والأخضر ، كما يُعلق على مقبضي الدراجة بعضاً من القش الملوّن ، ويُغطي مقعد الدراجة بغطاء أسود من الجلد المقوى ويضع على مقدمة الدراجة علم صغير لناديه الرياضي المفضل..
.
لم تكُن ركوب الدراجة الهواية الوحيدة لجارنا (عبده) بل لديهِ اهتمامات شتى ، منها رعاية القطط وتربيتها ، لا أنسى شرائه لعلب التونة من دكان جدي لإطعام قططة الصديقة ، التي ما انفكت تسير خلفه بموائها العالي وبطنها الخاوي ، من خروجه من الدُكان حتى يصل لباب منزله كي يفتح لها علب التونة لتأكل أمام المنزل بكل رفاهيّة وفرح ، ولا غرابة فجارنا يُنفق كل مصروفه الخاص على إطعامها ، وبعدها بنصف ساعة بعد أن تعبث القطط بعلب التونة وتُشبع جوعها ، نسمع صرخات الأخت الكبرى على (عبده) فكيف لهُ بهذا التصرف أن يُهدر مجهودها الكبير لكنس وتنظيف مدخل المنزل ، ولا نجده إلآ ضاحكاً مسروراً وهي تُصارخ عليه كي لا يُكرر فعلتهُ ، فيقوم هو بتنظيف المكان ورفع مخلفات القطط ، فهو مُميّز بحسّ المسؤولية ومساعدة الناس وخدمتهم..
رحم الله جارنا (عبده) ذو القلب الرقيق الطيب الحنون ، بفقدهِ بكت عليه الأفئدة والأعيُن ، كما ناحت عليه وتعالت مواء القطط ..
………………….
الكاتبة:أحلام أحمد بكري