✍️ إبراهيم بن محمد عواجي
نجد الأمثال العربية تمثل سلوكاً للناس لأنها تجسد التعبير عن سمات فكرية شائعة وغالباً ما تنتهي بدرس وحكمة رشيدة.
قال تعالى في كتابه الكريم ” أمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلَىَ مَآ آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مّلْكًا عَظِيمًا”
وقال تعالى في كتابه الكريم
“وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ”
وروى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث.
وللسلف أقوال في الحسد: قال عبدالله بن مسعود لا تُعادوا نعم الله، قيل: ومَنْ يُعادي نِعَمَ الله؟! قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله.
ديننا الإسلامي يدعو ويحث على تجنب هذه الصفات التي تؤجج الصراع بين الأفراد في مجتمعنا الإسلامي.
تقول الروايات والتي تعد من نسج الخيال جلس شاب فقد وظيفته ويبلغ من العمر ستة وعشرون عاماً في مقهى يقع وسط أحد الأسواق، وبدأ بمشاهدة السيارات التي تذهب وتجيء وهو يردد نفس الكلمة بصوت عالٍ: ” آه لو كانت هذه لي وليست لصاحبها، أنا فهيم وذكي وهو لا يستحقها”، مر اليوم الأول والثاني والثالث والشاب يجلس في السوق ويردد نفس الكلام، كلما مر موظف قال يجب أن أكون مكانه، وكلما مرت سيارة قال يجب أن تكون هذه لي، وكلما رأى شخصاً بثياب جميلة قال هي أجمل لو كانت علي.
طال الزمن فمر أسبوع وأسبوعان وثلاثة ولم يبحث الشاب عن وظيفة واكتفى بحسد الناس يومياً من ذات المقهى، وكان هناك رجل عجوز يجلس غير بعيد عنه ويهز رأسه كلما ردد هذا الشاب كلامه السلبي، في البداية لم يكن ينتبه له الشاب الحسود، لكن بعد أيام انتبه له وبدأ ينظر إليه بنظرات غضب لأنه شعر بهز رأس العجوز نوعاً من السخرية.
وفي نهاية الثلاثة أسابيع؛ قرر الشاب أن يرى لماذا يقوم الرجل العجوز بهذا الفعل، فذهب إليه وقال له: ” يا هذا لماذا تهز برأسك سخرية مني؟”.
فرفع رأسه العجوز إليه وقال له: ” تعلم الاحترام في الخطاب فأنا عمري خمسة وستون عاماً”.
شعر الشاب بنوع من الخجل وقال له: ” أعتذر، لكن لماذا هز الرأس بهذه الطريقة؟”.
ابتسم العجوز وقال له: ” لا أسخر منك لكنك تذكرني بشبابي، فقبل ثلاثون عاماً بالضبط جئت إلى هذا المقهى وكنت الوحيد في هذا السوق، وقلت نفس كلامك ورددته دوماً قائلاً أنا أفضل، كبر السوق واتسع وما زلت في مكاني أؤمن أنني الأفضل وأن الناس لا يستحقون شيئاً ”
الشاب: “إذن؟”
العجوز: ” لم أعد أقوى على الكلام بشكل مستمر وأرفع صوتي، لكن الحمد لله أنك جئت هنا فتردد ما أردده منذ ثلاثون عاماً وبالتالي أنا أهز رأسي على كلامك لأقنع نفسي أنني ما زلت أرى نفسي الأفضل”.
صعق الشاب من الكلام وعرف أن الحسد أسوأ صفات البشرية فهو لا يأتي بخير لصاحبه أبداً، وعرف أنه لو وقع في شباك السلبية لجلس هناك ثلاثون عاماً مثل هذا العجوز يردد نفس الكلام ولكنه لم يغير من الواقع شيئاً.
يقول جورج هيغل: ” الحسد أغبي الرذائل على الإطلاق، فإنه لا يعود على صاحبه بأية فائدة”.
ونرى في حياتنا اليومية الكثير من الأشخاص يعاملون بعضًا باحترام ويتحدثون عنهم بالخير، وعندما ينجح هؤلاء الأشخاص ويتخذون طريقًا مختلفًا عنهم يبدأون بالحقد والحسد عليهم وتغيير آرائهم نحوهم، وهنا يجب الإشارة: حب لغيرك ما تحب لنفسك، وتمني الخير للناس يجلب الخير والسعادة لنفسك، وحب لأخيك ما تحب لنفسك، وما تقبله لنفسك أقبله لغيرك، واجعل لنفسك ميزانًا في ما بينك وبين غيرك، وأحسن كما تحب أن يُحسن إليك.