محمد الرياني
الحفرةُ التي وضعتُها في الزقاق المقابل لباب بيتنا لا يعرف أسرارها غيري، أنا الوحيد الذي يستطيع أن يطلق الكرة الزجاجية الملونة من على بعد فتستقر في الحفرة، منذ مدة وأنا على هذه الحال، يوجد ممر سالك يفضي إلى الحفرة لم يفطن إليه الصغار مثلي، أصبحتُ بعبعًا أسلب الصغار كراتهم الزجاجية ثم أضعها في علب الحليب الفارغة التي كانت أسرتي تلقيها وأحفظ فيها ما أحصده، في شروق أحد الأيام جاءتني طفلة مثل عمري ومعها قارورة مملوءة برجونًا حتى رأسها، لم أحضر مامعي شيئا عند الحفرة التي كنت أصطاد فيها الذين ينازلونني، طلبتْ أن تلعب معي، اعتذرتُ بأنني لا أملك شيئا، عرضتُ عليها أن أستلف منها حبة كي نستمتع بلعب الصباح، مسحتْ من فرحتها دمعة عند الإشراق، رمتْ الكرة أولًا ورميتُ بعدها فوقعتْ في الحفرة، جلستُ للحبة الأخرى، دفعتها بإصبعي فإذا هي مع الحبة الثانية في الحفرة، شعرتْ بالخطر، طمعتُ في المزيد خصوصًا والألوان في الزجاجة تغري، اقترحتُ عليها بأن يقذف كل واحد باثنتين، وافقتْ على أمل أن تستعيد( برجونها) استوليتُ على الأربع، طلبتُ منها مضاعفة العدد، وافقتْ على الفور، خشيتْ أن تتأخر على أهلها، قذفنا الثمان نحو الحفرة، ازداد الخبث والمكر، سلبتها مامعها، ألقتْ بكل مامعها على الأرض، ألقيتُ مامعي، استوليتُ على كل برجونها، نظرتْ بأسى في باطن زجاجتها الفارغة، بكتْ قهرًا وهي تغادر حفرة اللعب، عدتُ مزهوًّا، اعتزلتُ في البيت وأنا أحصي البرجون الذي جمعتُه، في الليل شعرتُ بالألم، مثُل أمام ناظري صورة الصغيرة التي أخذتُ كل كراتها الملونة، في الصباح ذهبتُ إلى الحفرة ومعي حبات اللعب، ناديتُ بصوت رخيم من يريد أن أسلفه برجونًا ويلعب معي، جاءت وبقايا النوم على محياها الصغير، أعطيتُها نصف مامعي، بدأنا جولة مختلفة، تركتُها تهزمني، أخذتْ كل مامعي، تنهدتْ كما يفعل الأبطال من الفرح، أسرتني دمعتها وهي تستعيد مااغتصبته عليها، عدتُ للكرات الزجاجية الباقية، ناديتُ على بقية الصغار ليلعبوا معي، لم أقل لهم إنني أودُّ منازلتهم لأتجرع مرارة الهزيمة.
*البرجون:كرات زجاجية ملونة