مقالات مجد الوطن

*في التفريق بين كلمتي الصوم والصيام*

كثرت في الفترة الأخيرة الرسائل والمقاطع التي تتحدث عن الفرق بين كلمتي الصوم والصيام، ومضمونها أنهم يرون أن الصوم يكون امتناعا عن قول الزور والكذب، ولا علاقة له بالأكل وبقية المفطرات، ويرون أن الامتناع عن المفطرات هو الصيام وليس الصوم.

 

 

الحقيقة أن الفعل صام – بمعنى أمسك وصمت- مضارعه يصوم، مصدره صوم وصيام. المعجم الوسيط ص 529 ط 4

ومن المعلوم أن هناك معان لغوية، أعطاها الإسلام معاني شرعية واصطلاحية.

 

فالصوم والصيام مصدران للفعل صام، بلا فرق دلالي بينهما، ويجوز لك أن تستخدم أي واحد منهما دون تمييز. شأنها شأن أي فعل له مصدران مثل: قِتال ومقاتلة مصدرا الفعل قاتَلَ.

 

أما ما ورد في القرآن الكريم، فصحيح أن القرآن الكريم استخدم الصوم للإمساك عن الكلام، ( إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ) مريم 26 ولم يذكره في الإمساك عن الأكل والمفطرات، وإنما استخدم – في هذا المعنى -الصيام. ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام…) البقرة 183

 

ولكن هذا ليس دليلا على أن هناك فرقا بين الكلمتين، وإنما هو من سمات الاستخدام القرآني ومن خصائصه التعبيرية؛ إذ يستخدم القرآن الكريم مفردة في معنى محدد، ولا يستخدمها في معنى آخر، رغم أنهما في الأصل واحد، والأمثلة هنا كثيرة، ومنها استخدامه لكلمة “المطر” للعذاب، ولا يستخدم لهذا المعنى الغيث مثلا، وهذا لا يعني أن المطر خاص بالعذاب،- وقد تناولتُ ذلك بالتفصيل في كتابي “*تنبيه الأحباب لرسائل الواتس أب*” من ص 68- 72- وإنما المطر هو الماء النازل من السماء، لا يعني عذابا ولا رحمة.

 

ومنها استخدامه لكلمة “البغي” بمعنى الظلم، وطلب ما لا يحق لك، ( …وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي…) النحل90، وكذلك قوله تعالى: ( والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) الشورى39، رغم أن البغي أصلا معناه الطلب المطلق.

 

 

يذكر هؤلاء أن “الصوم يخص اللسان وليس المعدة خاصة قول الحق والامتناع عن قول الزور سواء في رمضان أو غيره”

ومما سبق، ومع اصطحابنا لمصدر الفعل صام، ومعرفتنا بخصائص التعبير القرآني نجد أن هذا الزعم غير صحيح.

 

نخلص إلى حقيقة مهمة مفادها أن استخدام القرآن الكريم لتعبير معين لا يعني أن بقية التعبيرات المرادفة أو المشابهة خاطئة، ولكن ذلك من خصائص التعبير القرآني.

ـــــــــــــــــــــــــ

*طارق يسن الطاهر*

Tyaa67@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى