مقالات مجد الوطن

مراتب الإيمان بالقضاء والقدر

بقلم الأستاذ/معدي حسين علي ال حيه

الإيمان بالقدر يقوم على أربعة أركان، لا يتم إيمان العبد بقدر الله إلا بالإيمان بها: وهي: العلم، والكتابة، والمشيئة، والخلق، فمن أقر بها جميعًا كان إيمانه بالقدر كاملاً، ومن انتقص واحدًا منها فقد اختل إيمانه بالقدر.
المرتبة الأولى : العلم من مراتب الإيمان بالقضاء والقدر هي العلم ، وهي تعني الإيمان بأن علم الله سبحانه وتعالى شامل كل شيء وكل أمر فهو الإيمان بعلم الله الأزلي السابق ، وأنه سبحانه وتعالى محيط بكل شيء علمًا ، وأنه عالم الغيب والشهادة ، وعالم بما هو كائن وبما سيكون ، وما لم يكن لو كان كيف سيكون والله تعالى علم بكل شيء جملة وتفصيلاً، وعلم ما الخلق عاملون قبل أن يخلقهم، وعلم أرزاقهم وآجالهم، وأعمالهم، وأعمارهم، وحركاتهم، وسكناتهم، وعلم شقيهم وسعيدهم، ومن منهم من أهل الجنة، ومن منهم من أهل النار قبل أن يخلقهم، وقبل أن يخلق السماوات والأرض،
الآيات الدالة على علمه سبحانه وتعالى :ـ
قال سبحانه:  (عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ)سبأ: 3 ، وقال( أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍعَلِيمٌ)البقرة:231 ، وقال( لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا )الطلاق: 12
قال اللهُ تعالى(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) الحشر:22.
وقال اللهُ سُبحانَه ( لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا )الطلاق: 12 .
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (سبأ: 3 .
وقال اللهُ تعالى) إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (طه: 98 .
ومن عِلْمِه تبارك وتعالى بما هو كائِنٌ عِلمُه بما كان الأطفالُ الذين تُوفُّوا صغارًا عاملين به لو أنَّهم كَبِروا قبلَ مماتِهم. عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال)سُئِلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أولادِ المُشرِكين، فقال: اللهُ أعلَمُ بما كانوا عاملين( .
قال ابنُ تيميَّةَ في شَرحِ قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم(اللهُ أعلَمُ بما كانوا عاملين)): (أي: اللهُ يَعلَمُ من يؤمِنُ منهم ومن يكفُرُ لو بَلَغوا… فهنالك يظهَرُ فيهم ما عَلِمه اللهُ سُبحانَه، ويجزيهم على ما ظهر من العِلْمِ، وهو إيمانُهم وكفرُهم، لا على مجرَّدِ العِلْمِ)
وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت(دُعِيَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى جنازةِ صَبيٍّ من الأنصارِ، فقُلتُ: يا رسولَ اللهِ، طوبى لهذا! عُصفورٌ من عصافيرِ الجنَّةِ، لم يعمَلِ السُّوءَ ولم يدركْه. قال: أوْغيرَ ذلك يا عائشةُ! إنَّ اللهَ خلق للجنَّةِ أهلًا خلقهم لها وهم في أصلابِ آبائِهم، وخلق للنَّارِ أهلًا خلقهم لها وهم في أصلابِ آبائِهم  )
ومن أقوالِ أهلِ العِلْمِ المُتعَلِّقةِ بمَرتبةِ العِلْمِ:
1-  قال حنبلٌ: (سمعتُ أبا عبدِ اللهِ يعني أحمدَ بنَ حَنبلٍ يقولُ: عَلِمَ اللهُ عزَّ وجَلَّ أن آدَمَ سيأكُلُ من الشَّجرةِ التي نهاه عنها قبل أن يخلُقَه)
2-  قال المُزَني: (الخَلقُ عاملون بسابِقِ عِلمِه ونافِذون لِما خلقَهم له من خيرٍ وشرٍّ… هذه مقالاتٌ وأفعالٌ اجتمع عليها الماضون الأوَّلون من أئمَّةِ الهدى، وبتوفيقِ اللهِ اعتصم بها التابعون قُدوةً ورِضًا)
3-  قال عبدُ الوَهَّابِ بنُ نَصرٍ البغداديُّ المالكيُّ: (قد ورد القرآنُ بأنَّ اللهَ تعالى يَعلَمُ الأشياءَ قبل كونِها، وأنَّه يَعلَمُ ما لا يكونُ لو صَحَّ كونُه كيف يكونُ، وأنَّ عِلمَه سابقٌ في خَلقِه، ودلَّت العقولُ على ذلك، فأمَّا القرآنُ فقَولُه تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ (الأنعام: 73 ، وقَولُه تعالى): إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ (البقرة: 33 ، وقَولُه تعالى): إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ (لقمان: 34  .
4-  قال الأصبهانيُّ: (قال أهلُ السُّنَّةِ… عِلمُه بكُلِّ مكانٍ قد أحاط بكُلِّ شيءٍ عِلمًا(
5-  قال ابنُ الجوزي: (المعلوماتُ كُلُّها قد أحاط بها عِلمُ اللهِ القديمُ قبل وجودِ المخلوقاتِ كُلِّها(
6-  قال ابنُ تيميَّةَ) اتَّفَق سلفُ الأُمَّةِ وأئِمَّتُها، على أنَّ اللهَ عالمٌ بما سيكونُ قبل أن يكونَ. وقد نَصَّ الأئمَّةُ على أنَّ من أنكر العِلْمَ القديمَ فهو كافِرٌ(
7-  قال ابنُ أبي العزِّ: (الدليلُ العَقليُّ على عِلْمِه تعالى: أنَّه يستحيلُ إيجادُه الأشياءَ مع الجهلِ، ولأنَّ إيجادَه الأشياءَ بإرادتِه، والإرادةُ تستلزِمُ تصَوُّرَ المرادِ، وتصَوُّرُ المرادِ هو العِلْمُ بالمرادِ؛ فكان الإيجادُ مُستلزِمًا للإرادةِ، والإرادةُ مُستلزِمةً للعِلمِ، فالإيجادُ مُستلزِمٌ للعِلمِ.
ولأنَّ المخلوقاتِ فيها من الإحكامِ والإتقانِ ما يستلزِمُ عِلمَ الفاعِلِ لها؛ لأنَّ الفِعلَ المحكَمَ المُتقَنَ يمتَنِعُ صُدورُه عن غيرِ عِلم(
8-  قال عبدُ الرَّحمنِ بنُ حَسَنٍ آل الشَّيخِ في تعليقِه على حديثِ(أوَّلُ ما خلق اللهُ القَلَمُ  ( : في هذا الحديثِ ونحوِه: بيانُ شُمولِ عِلمِ اللهِ تعالى وإحاطتِه بما كان ويكونُ في الدُّنيا والآخِرةِ، كما قال تعالى(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا( الطلاق 12
المرتبة الثانية الكتابة
الإيمان بكتابة الله تعالى للمقادير، وأن الله كتب كل شيء في اللوح المحفوظ، كما قال (: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ)الحج: 70 وقال تعالى )وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ )النمل: 75 وقال: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ)فاطر11  فنؤمن أن الله كتب ما سبق به علمه من مقادير المخلوقات في اللوح المحفوظ، وأن هذا الكتاب لم يفرط فيه شيء، يعني: كتب فيه كل شيء، وهذا يسمى أم الكتاب، ويسمى الذكر، ويسمى الإمام، ويسمى الكتاب المبين، كله اللوح المحفوظ، قال تعالى(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِين )يس: 12
وقال تعالى): وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (الزخرف: 4، وقال: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)الأنبياء: 105 وقال عليه الصلاة والسلام: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة)مسلم: 2653، وقال أيضاً(أول ما خلق الله القلم، فقال: اكتب، فقال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر ما كان وما هو كائن إلى الأبد)أبو داود: 4702، وصححه الألباني صحيح الجامع: 2018
فإذاً اللوح المحفوظ هو أم الكتاب، وهو الإمام، وهو الكتاب المبين له، وهو الذكر، الدليل: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ(الأنبياء: 105.
دلَّت كثيرٌ من نصوصِ الكِتابِ والسُّنَّةِ على أنَّ اللهَ كتب كُلَّ شَيءٍ في اللَّوحِ المَحفوظِ.
أوَّلًا: الأدِلَّةُ من القُرآنِ الكريمِ:
1-   قال اللهُ تعالى): أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (الحج: 70 .
قال ابنُ جريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه: ألم تعلَمْ -يا محمَّدُ- أنَّ اللهَ يَعلَمُ كُلَّ ما في السَّمَواتِ السَّبعِ والأرَضينَ السَّبعِ، لا يخفى عليه من ذلك شيءٌ، وهو حاكِمٌ بين خَلْقِه يومَ القيامةِ، على عِلمٍ منه بجميعِ ما عَمِلوه في الدُّنيا، فمُجازي المحسِنِ منهم بإحسانِه، والمسيءِ بإساءتِه  إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ يقولُ تعالى ذِكْرُه: إنَّ عِلْمَه بذلك في كتابٍ، وهو أمُّ الكتابِ الذي كتب فيه رَبُّنا جَلَّ ثناؤه قبل أن يخلُقَ خَلْقَه ما هو كائِنٌ إلى يومِ القيامةِ)
وقال ابنُ كثيرٍ: (يخبِرُ تعالى عن كَمالِ عِلْمِه بخَلقِه، وأنَّه محيطٌ بما في السَّمَواتِ وما في الأرضِ، فلا يَعزُبُ عنه مثقالُ ذَرَّةٍ في الأرضِ ولا في السَّماءِ، ولا أصغَرُ من ذلك ولا أكبَرُ، وأنَّه تعالى عَلِم الكائناتِ كُلَّها قبل وجودِها، وكتب ذلك في كتابِه اللَّوحِ المَحفوظِ، كما ثبت في صحيحِ مسلمٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو قال:  قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم(إنَّ اللهَ قدَّر مقاديرَ الخلائِقِ قبل خَلقِ السَّمَواتِ والأرضِ بخمسينَ ألفَ سَنَةٍ، وكان عَرشُه على الماءِ )
وفي السُّنَنِ من حديثِ جماعةٍ من الصَّحابةِ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أوَّلُ ما خلقَ اللهُ القَلَمُ، قال له: اكتُبْ، قال: وما أكتُبُ؟ قال: اكتُبْ ما هو كائِنٌ. فجرى القَلَمُ بما هو كائِنٌ إلى يومِ القيامةِ  ) وهذا من تمامِ عِلْمِه تعالى أنَّه عَلِمَ الأشياءَ قبل كَونِها، وقدَّرها وكتبها أيضًا، فما العبادُ عامِلون قد عَلِمه تعالى قبل ذلك، على الوَجهِ الذي يفعلونه، فيَعلَمُ قبل الخَلْقِ أنَّ هذا يطيعُ باختياره، وهذا يعصي باختيارِه، وكتب ذلك عنده، وأحاط بكُلِّ شيءٍ عِلمًا، وهو سهلٌ عليه، يسيرٌ لديه؛ ولهذا قال تعالى: إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)
2- قال اللهُ عزَّ وجَلَّ): وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (النمل: 75 .
قال ابنُ جريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه: وَمَا مِنْ مَكتومِ سِرٍّ وخَفِيِّ أمرٍ يَغيبُ عن أبصارِ النَّاظرين فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ وهو أمُّ الكتابِ الذي أثبت رَبُّنا فيه كُلَّ  ما هو كائِنٌ من لَدُنِ ابتدأ خَلْقَ خَلْقِه إلى يومِ القيامةِ(
3-  قال اللهُ تعالى: (وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاء وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (يونس: 61.
قال السَّعديُّ: (أي: قد أحاط به عِلمُه، وجرى به قَلَمُه.وهاتان المرتبتانِ من مراتِبِ القَضاءِ والقَدَرِ، كثيرًا ما يقرِنُ اللهُ بينهما، وهما: العِلْمُ المحيطُ بجميعِ الأشياءِ، وكتابتُه المحيطةُ بجميعِ الحوادِثِ، كقَولِه تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ(
4- قال اللهُ سُبحانَه في قِصَّةِ أَسرى بَدرٍ: (لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ  ) الأنفال: 68.
أي: لولا قضاءٌ من اللهِ سبَقَ لكم -يا أهلَ بَدرٍ- في اللَّوحِ المَحفوظِ بأنَّ اللهَ مُحِلٌّ لكم الغَنائِمَ، وأخْذَ الفِداءِ مِن الكُفَّارِ، وبأنَّه لا يُعذِّبُ أحدًا إلَّا بعد قيامِ الحُجَّةِ عليه، وأنَّه لا يعذِّبُ أحدًا شَهِدَ بدرًا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لَنالَكم بسبَبِ أخْذِكم الفِداءَ مِن كفَّارِ قُريشٍ عذابٌ عَظيمٌ( .
5-  قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (الحديد: 22 .
قال الشنقيطيُّ: ذكَرَ جَلَّ وعلا في هذه الآيةِ الكريمةِ أنَّ كُلَّ ما أصاب من المصائِبِ في الأرضِ؛ كالقَحطِ والجَدْبِ، والجوائِحِ في الزِّراعةِ والثِّمارِ، وفي الأنفُسِ من الأمراضِ والموتِ؛ كُلُّه مكتوبٌ في كتابٍ قبل خَلقِ النَّاسِ، وقبل وُجودِ المصائِبِ)
ثانيًا: الأدِلَّةُ من السُّنَّةِ النبَوِيَّةِ:
1- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال(كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قالَ: وَعَرْشُهُ علَى المَاءِ  )
قال أبو العبَّاسِ القُرطبيُّ: (أي: أثبَتَها في اللَّوحِ المَحفوظِ، كما قُلْناه آنِفًا، أو فيما شاء، فهو توقيتٌ للكَتْبِ لا للمقاديرِ؛ لأنها راجعةٌ إلى عِلمِ اللهِ تعالى وإرادتِه، وذلك قديمٌ لا أوَّلَ له… ويحتَمِلُ أن يكونَ ذِكرُ الخمسين ألفًا جاء مجيءَ الإغياءِ في التكثيرِ، ولم يُرَدْ عَينُ ذلك العددِ، فكأنَّه قال: كتب اللهُ مقاديرَ الخلائِقِ قبل خَلقِ هذا العالمِ بآمادٍ كثيرةٍ، وأزمانٍ عديدةٍ، وهذا نحوٌ ممَّا قُلْناه في قَولِه تعالى: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ والأوَّلُ أظهَرُ وأَولى)
وقال النوويُّ  قال العُلَماءُ: المرادُ تحديدُ وَقتِ الكتابةِ في اللَّوحِ المَحفوظِ أو غيرِه، لا أصلُ التقديرِ؛ فإنَّ ذلك أَزَليٌّ لا أوَّلَ له)
2- عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال(كُنَّا في جِنَازَةٍ في بَقِيعِ الغَرْقَدِ فأتَانَا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَقَعَدَ وقَعَدْنَا حَوْلَهُ، ومعهُ مِخْصَرَةٌ   فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ(  بمِخْصَرَتِهِ، ثُمَّ قالَ: ما مِنكُم مِن أحَدٍ وما مِن نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إلَّا كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الجَنَّةِ والنَّارِ، وإلَّا قدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أوْ سَعِيدَةً. قالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، أفلا نَتَّكِلُ علَى كِتَابِنَا، ونَدَعُ العَمَلَ؟ فمَن كانَ مِنَّا مِن أهْلِ السَّعَادَةِ، فَسَيَصِيرُ إلى عَمَلِ أهْلِ السَّعَادَةِ، ومَن كانَ مِنَّا مِن أهْلِ الشَّقَاءِ، فَسَيَصِيرُ إلى عَمَلِ أهْلِ الشَّقَاوَةِ، قالَ: أمَّا أهْلُ السَّعَادَةِ فيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أهْلِ السَّعَادَةِ، وأَمَّا أهْلُ الشَّقَاوَةِ فيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أهْلِ الشَّقَاءِ، ثُمَّ قَرَأَ: فَأَمَّا مَن أعْطَى واتَّقَى وصَدَّقَ بالحُسْنَى الآيَةَ)
قال ابنُ حَجَرٍ:  (هذا الحديثُ أصلٌ لأهلِ السُّنَّةِ في أنَّ السَّعادةَ والشَّقاءَ بتقديرِ اللهِ القديمِ، وفيه ردٌّ على الجَبريَّةِ؛ لأنَّ التيسيرَ ضِدُّ الجَبرِ؛ لأنَّ الجَبْرَ لا يكونُ إلَّا عن كُرهٍ، ولا يأتي الإنسانُ الشَّيءَ بطريقِ التيسيرِ إلَّا وهو غيرُ كارهٍ له… وفي أحاديثِ هذا البابِ أنَّ أفعالَ العبادِ وإن صدَرَت عنهم لكِنَّها قد سبق عِلمُ اللهِ بوُقوعِها بتقديرِه، ففيها بطلانُ قَولِ القَدَريَّةِ صَريحًا. واللهُ أعلَمُ)
3- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال(جَاءَ سُرَاقَةُ بنُ مَالِكِ بنِ جُعْشُمٍ قالَ: يا رَسُولَ اللهِ، بَيِّنْ لَنَا دِينَنَا كَأنَّا خُلِقْنَا الآنَ، فِيما العَمَلُ اليَومَ؟ أَفِيما جَفَّتْ به الأقْلَامُ، وَجَرَتْ به المَقَادِيرُ، أَمْ فِيما نَسْتَقْبِلُ؟ قالَ: لَا، بَلْ فِيما جَفَّتْ به الأقْلَامُ وَجَرَتْ به المَقَادِيرُ. قالَ: فَفِيمَ العَمَلُ؟ قالَ زُهَيْرٌ: ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو الزُّبَيْرِ بشيءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ، فَسَأَلْتُ: ما قالَ؟ فَقالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ  )
قال أبو العبَّاسِ القُرطبيُّ: (مقتضى هذا السُّؤالِ أنَّ ما يصدُرُ عنَّا من الأعمالِ، وما يترتَّبُ عليها من الثَّوابِ والعِقابِ، هل سبق عِلمُ اللهِ تعالى بوقوعِه، فنَفَذَت به مشيئتُه، أوْ ليس كذلك، وإنما أفعالُنا صادرةٌ عنا بقُدرتِنا ومشيئتِنا، والثوابُ والعِقابُ مُرَتَّبٌ عليها بحسَبِها؟ وهذا القِسمُ الثَّاني هو مَذهَبُ القَدَريَّةُ، وقد أبطل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا القِسمَ بقَولِه: لا، بل فيما جفَّت به الأقلامُ، وجرت به المقاديرُ. أي: ليس الأمرُ مُستأنَفًا، بل قد سبق به عِلمُ اللهِ، ونفَذَت به مشيئتُه، وجَفَّت به أقلامُ الكَتَبةِ في اللَّوحِ المَحفوظِ)
وقال النوويُّ: ( ((جَفَّت به الأقلامُ)) أي: مضت به المقاديرُ وسبق عِلمُ اللهِ تعالى به وتمَّت كتابتُه في اللَّوحِ المَحفوظِ وجَفَّ القَلَمُ الذي كتب به وامتنَعَت فيه الزيادةُ والنقصانُ. قال العُلَماءُ: وكتابُ اللهِ تعالى ولَوحُه وقَلَمُه والصُّحفُ المذكورةُ في الأحاديثِ كُلُّ ذلك مما يجِبُ الإيمانُ به، وأما كيفيَّةُ ذلك وصِفَتُه فعِلْمُها إلى اللهِ تعالى، ولا يحيطون بشيءٍ من عِلمِه إلَّا بما شاء. واللهُ أعلَمُ)
4-  عن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال لابنِه: يا بُنَيَّ، إنَّك لن تَجِدَ طَعمَ حقيقةِ الإيمانِ حتى تعلَمَ أنَّ ما أصابَك لم يكُنْ لِيُخْطِئَك، وما أخطَأَك لم يكُنْ لِيُصيبَك، سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((إنَّ أوَّلَ ما خلَقَ اللهُ تعالى القَلَمُ، فقال له: اكتُبْ، فقال: ربِّ، وماذا أكتُبُ؟ قال: اكتُبْ مقاديرَ كُلِّ شَيءٍ حتى تقومَ السَّاعةُ(يا بُنَيَّ، إنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((مَن ماتَ على غيرِ هذا فليس مِنِّي  )قال ابنُ رسلان: (يعني: كتب كُلَّ ما يكونُ إلى يومِ القيامةِ، أي: جرى على اللَّوحِ المَحفوظِ بذلك(
وقال ابنُ عثيمين) كتب في اللَّوحِ المَحفوظِ مقاديرَ كُلِّ شَيءٍ حتى تقومَ السَّاعةُ، فما من شيءٍ كان أو يكونُ إلَّا وهو مكتوبٌ مُقَدَّرٌ قبل أن يكونَ(
ومن أقوالِ أهلِ العِلْمِ في هذه المَرتبةِ:
1-  قال أبو حنيفةَ: (نُقِرُّ بأنَّ اللهَ تعالى أمر القَلَمَ بأن يَكتُبَ، فقال القلَمُ: ماذا أكتبُ يا رَبِّ؟ فقال اللهُ تعالى: اكتُبْ ما هو كائِنٌ إلى يومِ القيامةِ؛ لقَولِه تعالى: (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (القمر: 52-53
2-  سأل رجلٌ مالكًا فقال: الفواحِشُ، كتبها اللهُ علينا؟ قال: نعم، قبل أن يخلُقَنا. ولا بدَّ لكُلِّ من كَتَب اللهُ عليه ذلك أن يعمَلَها، ويصيرَ إلى ما قدَّر عليه وكَتَب( .
3-  قال حَنبَلُ بنُ إسحاقَ: (سألتُ أبا عبدِ اللهِ يعني: أحمدَ بنَ حَنبَلٍ عن الإيمانِ بالقَدَرِ؟ قال: نؤمِنُ به، ونعلَمُ أنَّ ما أصابنا لم يكُنْ يخطِئُنا، وما أخطأنا لم يكُنْ ليصيبَنا، وأنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ قدَّر كُلَّ شَيءٍ من الخيرِ والشَّرِّ، فهو سابِقٌ في اللَّوحِ المَحفوظِ، الشَّقاءُ والسعادةُ مكتوبان على ابنِ آدمَ قبل أن يُخلَقَ، ونحن في أصلابِ الآباءِ)( .
4-  قال أبو الحسَنِ الأشعريُّ  (أجمعوا على أنَّه تعالى قد قدَّر جميعَ أفعالِ الخَلْقِ وآجالِهم وأرزاقِهم قبل خَلقِه لهم، وأثبت في اللَّوحِ المَحفوظِ جميعَ ما هو كائِنٌ منهم إلى يومِ يُبعثون، وقد دَلَّ على ذلك بقَولِه:تعالى ( وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (القمر: 52-53
5-  قال ابنُ تيميَّةَ ( اللهُ تعالى يَعلَمُ ما كان وما يكونُ وما لا يكونُ أنْ لو كان كيف كان يكونُ، وهو سُبحانَه قد قدَّر مقاديرَ الخلائِقِ وكتب أعمالَ العبادِ قبل أن يعمَلوها، كما ثبت ذلك في صريحِ الكِتابِ والسُّنَّةِ وآثارِ السَّلَفِ، ثمَّ إنه يأمُرُ الملائكةَ بكتابتِها بعد ما يعملونها؛ فيقابِلُ به الكتابةَ المتقَدِّمةَ على الوجودِ، والكتابةَ المتأخِّرةَ عنه، فلا يكونُ بينهما تفاوُتٌ. هكذا قال ابنُ عَبَّاسٍ وغيرُه من السَّلَفِ، وهو حَقٌّ)
6- قال ابنُ كثيرٍ في تفسيرِ قَولِه تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ [الأعراف: 179] : (أي: هيَّأناهم لها، وبعَمَلِ أهلِها يعمَلون، فإنَّه تعالى لما أراد أن يخلُقَ الخلائِقَ، عَلِمَ ما هم عاملون قبل كَونِهم، فكتب ذلك عنده في كتابٍ قبل أن يخلُقَ السَّمَواتِ والأرضَ بخمسينَ ألفَ سنةٍ، كما ورد في صحيحِ مُسلمٍ عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال  (إنَّ اللهَ قدَّر مقاديرَ الخَلْقِ قبل أن يخلُقَ السَّمَواتِ والأرضَ بخمسينَ ألفَ سنةٍ، وكان عرشُه على الماءِ  )
7-  قال ابنُ باز(كتابةُ الأشياءِ التي أوجدها سُبحانَه أو سيوجِدُها أمرٌ معلومٌ جاءت به النُّصوصُ من كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، فعلينا أن نؤمِنَ بذلك ونعتَقِدَ أنَّ اللهَ كتب الأشياءَ كُلَّها وعَلِمَها وأحصاها، لا تخفى عليه خافيةٌ)
المرتبة الثالثة  المشيئة:
الإيمان بالإرادة والمشيئة، فنؤمن بأن الله تعالى لا يجري في السماوات والأرض والكون شيء إلا بمشيئته وإرادته، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حركة ولا سكون في السماوات والأرض إلا بمشيئته، ولا يكون في ملكه إلا ما يريد، ولا يخرج عن إرادته شيء،
الآيات الدالة على مشيئتة سبحانه وتعالى :ـ
1-  قال تعالى): وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)الإنسان: 30
2- وقال): إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(يس: 82
3- وقد ورد في القُرآنِ الكريمِ تعليقُ الأنبياءِ الأمورَ بمشيئةِ اللهِ سُبحانَه وتعالى.فلمعرفةِ الأنبياءِ يقينًا بأنَّ مشيئةَ اللهِ عزَّ وجَلَّ نافذةٌ، كانوا يُرجِعون الأمرَ إلى مشيئتِه سُبحانَه. ومن ذلك قَولُ اللهِ تعالى إخبارًا عن نبيِّه شُعَيبٍ عليه السَّلامُ أنَّه قال لقَومِه: (قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّنَا )الأعراف: 89 .
قال السَّعديُّ: (إنَّ عَودَهم فيها -بعد ما هداهم اللهُ- من المحالاتِ بالنَّظَرِ إلى حالتِهم الرَّاهنةِ، وما في قلوبهم من تعظيمِ اللهِ تعالى والاعترافِ له بالعبوديَّةِ، وأنَّه الإلهُ وَحْدَه الذي لا تنبغي العبادةُ إلَّا له وَحْدَه لا شريكَ له، وأنَّ آلهةَ المُشرِكين أبطَلُ الباطِلِ، وأمحَلُ المحُالِ. وحيث إنَّ اللهَ مَنَّ عليهم بعُقولٍ يعرفون بها الحَقَّ والباطِلَ، والهُدى والضَّلالَ.
وأمَّا من حيث النَّظَرُ إلى مشيئةِ اللهِ وإرادتِه النَّافذةِ في خَلْقِه، التي لا خروجَ لأحَدٍ عنها، ولو تواترت الأسبابُ وتوافقت القُوى، فإنهم لا يَحكُمون على أنفُسِهم أنهم سيفعلون شيئًا أو يتركونه؛ ولهذا استثنى وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا أي: فلا يمكِنُنا ولا غيرَنا الخروجُ عن مشيئتِه التابعةِ لعِلْمِه وحِكمتِه، وقد وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا فيعلَمُ ما يصلُحُ للعبادِ وما يُدَبِّرُهم عليه)  ومن الأمثلةِ على ذلك أيضًا قولُ إبراهيمَ عليه السَّلامُ لقَومِه: (وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (الأنعام: 80 .
قال ابنُ جريرٍ: (يقولُ: ولكِنْ خوفي من اللهِ الذي خلقَني وخلق السَّمَواتِ والأرضَ؛ فإنَّه إن شاء أن ينالَني في نفسي أو مالي بما شاء من فَناءٍ أو بقاءٍ أو زيادةٍ أو نقصانٍ أو غيرِ ذلك، نالني به؛ لأنَّه القادِرُ على ذلك(
وقال ابنُ عاشور: (وجملةُ: وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا استئنافٌ بيانيٌّ؛ لأنَّه قد يختلِجُ في نفوسِهم: كيف يَشاءُ ربُّك شيئًا تخافُه وأنت تزعُمُ أنَّك قائِمٌ بمرضاتِه ومُؤَيِّدٌ لدينِه؟! فما هذا إلَّا شكٌّ في أمرِك؛ فلذلك فُصِلَت، أي: إنما لم آمَنْ إرادةَ اللهِ بي ضُرًّا وإن كنتُ عبدَه وناصِرَ دينِه؛ لأنَّه أعلَمُ بحِكمةِ إلحاقِ الضُّرِّ أو النَّفعِ بمن يشاءُ من عبادِه. وهذا مقامُ أدَبٍ مع اللهِ تعالى، فلا يأمَنُ مَكْرَ اللهِ إلَّا القومُ الخاسِرونَ(
4- وقد أمر اللهُ عزَّ وجَلَّ رسولَه محمدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن لا يقولَ لشَيءٍ إنَّه فاعِلُه في المستقبَلِ حتى يستثنيَ بمشيئةِ اللهِ؛ فإنَّه إن شاء اللهُ فعَلَه، وإن شاء لم يفعَلْه. قال اللهُ تعالى: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ )الكهف: 23 ( .
قال ابنُ القَيِّمِ) الذي أجمع عليه المفسِّرون: أنَّ أهلَ مكَّةَ سألوا النبيَّ عن الرُّوحِ، وعن أصحابِ الكَهفِ، وعن ذي القَرنَينِ، فقال: أُخبِرُكم غدًا. ولم يقُلْ: إن شاء اللهُ. فتلبَّثَ الوحيُ أيَّامًا، ثم نزَلت هذه الآيةُ(
5-  قال اللهُ عزَّ وجَلَّ): قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (آل عمران: 26 .
6-  قال اللهُ سُبحانَه): هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(  آل عمران: 6.
7- قال اللهُ سُبحانَه: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الأنعام: 39 .
8- قال اللهُ تعالى: (وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (البقرة: 253 .
9- قال اللهُ سُبحانَه: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا (يونس: 99 .
10-  قال اللهُ عزَّ وجَلَّ): أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا (الفرقان: 45 .
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى