
فاطمه بكري
جازان _ العارضة
في زوايا الليل، حيث يلتقي السكون مع نسائم الهواء الباردة، ينقضُّ الفجر على العالم بهدوء كما لو كان عازف كمان في قاعة فاخرة. هنا، في هذا السكون الفاتن، تنبثق أسرار الحياة بشكل غير مرئي، كل لحظة في هذا الكون تحمل في طياتها ألوانًا من الهدوء الذي يغسل الأرواح من تعب الأيام.
الفضاء من حولنا يمتد بلا حدود، كما لو كان مرآة لقلوبنا التي تحاول دوماً أن تلامس الأفق. ربما لا نجد كلمات تعبّر عن هذا الجمال اللامحدود، بل نبقى رهائن للدهشة، مستسلمين لفخ التوقيت الذي يمنحنا فرصة للحلم والتأمل في ما وراء الملموس.
الحياة في طياتها ليست سوى لوحة فنية تنتظر أن تُرسم بألوان الإرادة والتطلع. كل يوم هو فرصة جديدة لكتابة قصة جديدة على صفحتها البيضاء. ونحن، كبشر، نحن الذين نصوغ هذا المعنى من خلال قراراتنا، خطواتنا، وابتساماتنا التي يمكنها أن تضيء ظلاماً دامساً.
كل شيء في هذا الكون له دوره الخاص، كأنما هو جزء من سمفونية عظيمة تنتظم أصواتها على إيقاع الزمن. لا شيء يحدث عبثًا، كل شيء يتشابك بخيط رفيع من الحكمة التي نكتشفها في مواقفنا اليومية. ففي كل تحدٍ هناك درس، وفي كل خسارة هناك فرصة للنهضة من جديد.
في كل مرة نغرق في صمت الليل، نكتشف أن الحياة ليست مجرد مسار طويل يجب أن نمر به، بل هي رحلة مع الذات، مع الوجود، مع كل لحظة تسبق أو تلي. وكلما أغرقنا في التأمل، وجدنا أن السعادة ليست في الأشياء التي نملكها، بل في اللحظات الصغيرة التي نعيشها بكل تفاصيلها الدقيقة، في حب نظرة عيون أحدهم، في إحساس الرياح تداعب وجهك، وفي شعورك بأنك جزء من هذا الكون الفسيح.
إذن، ما الحياة إن لم تكن رحلة لاستكشاف أعماق الذات، ولغز الزمن الذي نحاول جاهدين أن نفهمه؟ إننا، في النهاية، مجرد مسافرين على درب لا ينتهي، تارة نمر بتجارب تشبه الرياح العاتية، وتارة أخرى نغني في لحظات هدوء كالمياه الهادئة.
ولكن في كل لحظة نعيشها، يكون هناك وميض من الضوء يذكرنا بأن الحياة، بكل تفاصيلها، هي مزيج من الأمل والصبر، من الحلم والعمل، من الفقدان واللقاء، ومن الماضي الذي يشكلنا والمستقبل الذي ينتظرنا.