ضيف الله مهدي
في السنوات الماضية القريبة – ولا أدري هو بتعميم من وزارة التعليم أم اجتهاد من المدارس – صارت المدارس تقيم حفلات تخرج وتوديع لطلاب الصف السادس الابتدائي وطلاب الثالث المتوسط وطلاب الثالث الثانوي ، للبنين والبنات .. وهذه الاحتفالات لها أثر إيجابي جميل في نفوس الطلاب والطالبات وتشعرهم بأن معلميهم يحبونهم ، ولهذا كما استقبلوهم في الأسبوع التمهيدي في الأول الابتدائي بالحفاوة والترحاب والابتسامة والورود ودعوهم عندما تخرجوا بنفس الابتسامة والحب والود ، وله في نفوس وقلوب أولياء الأمور وقع ومردود جميل . حتى هنا الفعل جميل والعمل رائع .
لكن كعادة الناس لابد يتدخلون وتتدخل أيديهم وأنفسهم ، وإذا تدخلت أيدي الناس ظهر الفساد .
ففي الثلاث أو الأربع سنوات الماضية صارت الأسر تستعد لحفل التخرج وتعد له ميزانية عند البعض ضخمة من نهاية الفصل الأول. فمن شراء الهدايا والملابس وتزيين السيارة التي بتركبها الطالبة الخريجة أو الطالب الخريج وكتابة بعض العبارات عليها ، وكأنها أصبحت سيارة عريس وعروس !.
ومما يحز في النفس أن بعض الآباء دون حياء يذهبون إلى المدارس ينتظرون بناتهم خريجات المرحلة الثانوية فيحضنها عند خروجها والبعض يرقص معها على الشيلات عند باب المدرسة دون حياء من الله ثم من البنات وبعض الأمهات وأولياء الأمور ويتم التصوير لتلك المشاهد ثم نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي التيك توك .
يا ناس ذهب الحياء منكم ؟!
افرح وشاركها الفرح في بيتكم واستروا أنفسكم في بيوتكم !!
لماذا أمام الناس عند باب المدرسة ؟. ولماذا تنشر ذلك في التيك توك وأنتم ترقصون ؟!.
لا ، والبعض يتمخطر في مشيته ويزخ وحاملا في يده هدية لابنته .
والله إني أحب الرقص وأشارك جيراني وأصدقائي وطلاب المدارس الرقص في المناسبات الوطنية . لكن قدام مدارس البنات وماسك بيد بنتي ونجحل لم يحدث ذلك . وقد تخرج أربع بنات لي من الثانوية وبعضهن من الجامعة وبعضهن من جامعات في بلاد خارجية ، ولم أفعل ذلك .
ثم هناك بنات فقيرات وبنات يتيمات يتأثرن بمثل هذه المواقف .. فبدلا ما تفرح بنجاحها لا ترى والدها يشاركها أفراحها ولا أحد يقدم لها هدية فتتألم وتحزن. وبعض الأمهات تتعانق مع ابنتها وتحتضنها وكأن لها عشر سنوات ما التقت بها وهي يا دوبها خرجت من البيت . كل هذا شاهدته في التيك توك والسناب شات . لذلك أطالب بعدم إقامة حفلات تخرج ما دام البعض يفعل ويسلك ما قلت. أو منع الآباء من النزول حتى أبواب المدارس واحتضان بناتهن والرقص والتصوير.
يروى أن أبا البشر آدم عليه الصلاة والسلام لما هبط من الجنة إلى الأرض ، تبعه جبريل عليه السلام ، فقال يا آدم : إني أخيرك بين ثلاثة ، فاختر واحدا ودع اثنين ، فقال آدم : هات ، فقال جبريل : إني أخيرك بين الدين والعقل والحياء ، فقال آدم : إني اخترت العقل ، فقال جبريل للدين والحياء اصعدا واتركاه ، فقال الدين والحياء : إنا أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان ، فقال جبريل : أنتما وشأنكما ثم تركهما وصعد ..
من هذا يتبين أن الدين والعقل والحياء متلازمين ، فنجد كل ذي عقل على دين وحياء ، وكل صاحب دين عاقل وحيي وكل من يتصف بالحياء هو على دين وذو عقل . والحياء من صفات أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام ، وقد وصف موسى عليه الصلاة والسلام بالحياء ، حتى أن حياءه ذلك جعل بعض بني إسرائيل يتهموه زورا وظلما بما ليس فيه حتى كشفهم الله على حقيقتهم . ووصف أصحاب رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب عليه الصلاة والسلام بأنه كان أشد حياء من العذراء في خدرها .
والحياء من السمات الإنسانية الحميدة ، لأنه يدفع الإنساء إلى تجنب الأفعال القبيحة المعيبة ، والحياء انفعال مركب فيه عناصر من الخجل والخوف ، وهو يعتري الإنسان إذا خاف أن يرى الناس فيه ما يمكن أن يعاب أو يذم . غير أن الحياء كما قلت سلوك حميد وصفة إنسانية إيجابية ، والحياء شعبة من شعب الإيمان .
وفي وقتنا الحاضر نجد أن الكثير قد تخلى عن صفة الحياء هذا السلوك الحميد الذي هو شعبة من شعب الإيمان ، وأصبح البعض لا يتورع من أن يسلك سلوكا ممقوتا وينزل منازلا بئس هي تلك المنازل ويتلفظ بألفاظ بذيئة ، وحركات مخلة بالمروءة .
يقول الشاعر :
يعيش المرء مااستحيا بخير
ويبقى العود ما بقي اللحاء
فلا والله ما في العيش خير
ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
إذا لم تخش عاقبة الليالي
ولم تستح فاصنع ما تشاء