تتقابل الوجوه بابتسامة مشرقة تهنئ بعضها بعيد الألفة والتسامح، وتتحامل بعض القلوب على جراحها الذي لم يندمل فتصفح وتصافح، واما بعض القلوب فلا ترى انكسارها أو تلحظ شوقها لحنين مدفون، يئن من الوجع ويثقله الألم، نفوس كبيرة لا تنسى في يومها الجميل وعيدها السعيد، روحٌ ودعت دنياها واستسلمت لقضاء ربها، نفسٌ تبكي من الداخل لرحيل مُرّ، اسبغ عليها سنوات وسنوات من السعادة والأنس، ونفسٌ أخرى يعتصرها الألم لفقد حبيب أو صديق، وجسدٌ اثقله جراحه وطرحه ارضاً لهول الفقد وعظِم الغياب، إنها الأرواح الباكية في صمت والعطشى في سمت، والغائبة الحاضرة في دنيا لا يعرف حجمها إلا من قاسى لهيبها وذاق ألمها، ثم استكان في زاوية مظلمة يتحسر على ذاك الحنين الذي يعتصر قلبه ويثخن كبده ويقضي على بقايا أمل تنعشه نهاراً ثم لا يلبث إن يعود لتلك الذكريات التي مزقت
كيانه واردته صريعاً، تطارده ضحكاتهم ولهوهم وابتساماتهم المشرقة، التي كانت يوما بلسماً وروحا ً حية تملئ المكان وورداً تعطّر الجمال وتسقيهم انهاراً من ضياء وصفاء.
إنه صمت المكان الموحش، إنه الإنطفاء الذي ينخر في الجسد كل حين، إنه الفراق الذي يبقيك حياً كلما هممت بمغادرة ذكراه، حتى لو كان غياباً أو بعدا :
ويلفّني وجعُ الحنين وأدّعي
صبراً، وجوفي بالأسى يتقطعُ
يا ليت من غابوا سلونا بعدهم
أو يا ليت من نبكيه يوماً يرجعُ
إنه الحنين الموجع حدّ البكاء، والشوق الجارف حدّ الاتكاء، إنه الأنين الصامت الذي يقفل باب العودة لساحة الحياة ومتعها الجميلة، ألا يا ليت من فارقوا أيامنا وليالينا يعلمون حجم الفقد ومرارة الفراق، ألا ليت نفوسنا الملأى حباً وهياماً تلتقيهم في أحلام الورود وجنات الخلود، ألا ليت النعيم الذي نلهث وراءه ليل نهار نراه في مناماتنا يتغشاهم في قبورهم ويسكن أرواحهم.
ألا ليت الحياة تصفو فنطير مع جمال ذكراهم وأنين فرقاهم لتهفو أمانينا على أسطح البياض وترفرف على اعلام الوفاء.
أقول لكل من توجّع ألماً تمسك بذكرى الحب واسكب قطرات الأمل، فكل غائبٍ سيعود وكل حاضر سيزول، وستلتقي أرواحنا بمن نحب فدنيانا مزيجٌ من حنين وأنين وألم وأمل وفرح وترح، هي حياة نعيشها بتفاصيلٍ صغيرة قد نراها حياة وقد نراها وفاة.
كتبه /حسين يحيى الحنشلي
١٣ يوليو ٢٠٢٤م