د . ضيف الله مهدي
اليوم الجمعة الموافق ٨ ربيع الآخر ١٤٤٦هـ وفي جامع الفقهاء بمحافظة بيش ، خطب خطيب الجامع فضيلة الشيخ الأستاذ حسن بن يحيى الأعجم ، عن كبار السن ورعايتهم واحترامهم والاهتمام بهم مستدلا بآيات الذكر الحكيم وهدي سيد الأنبياء والمرسلين. وقد أجاد وأفاد .. ولا يعني تعليقاتي المتكررة على خطبه لنقص عنده أو أكمل عنده ، وإنما خطبه أحيانا تتوافق مع مواضيع قد كتبتها .. كنت قد كتبت من قبل:
” مع كل مرحلة عمرية تتغير نفسية الإنسان ومزاجه . فالذي كنت تتقبله وتنبسط منه وتفرح به أو لا تعيره انتباه ولا تهتم به ولا يؤثر في نفسك وأنت في عمر العشرين . تأتي مرحلة عمرية لا تتقبل كل ذلك مهما كان مصدره . ابنك وهو طفل ممكن يسكب عليك أي شيء ويرميك بأي شيءٍ فتقبل منه ذلك عادي وتضحك وممكن تشيله وتضمه وتقبله ، بينما لا تتقبل منه ما فعل لما يصير عمره ١٥ سنة فأكثر ، والسبب أنك صرت في عمر لا يتقبل ذلك . عمر عشرين ليس كعمر ستين ، عندما نتعامل معهم يجب أن نكون حذرين . عمر العشرين يتحدى ويعاند ويحارب وعمر الستين تنكسر نفسه وينطوي ويمكن يبكي .
حتى الجدران والحيطان والطوب ، في بداية عمرها تختلف عن عمرها بعد عشرين وأربعين سنة .
نحن إن وجدنا رجلا كبيرا أو امرأة كبيرة سلمنا وقبلنا رؤوسهم وطلبنا منهم الدعاء لنا ؟!.
لماذا نطلب الدعاء من كبار السن ؟!
لعلمنا أنهم إلى الله أقرب ..
الله سبحانه الكريم الحليم لا يعذب من مات في الإسلام طاعنا في السن كمن مات في عز الشباب . الله يقبل من عبده الكبير ويتجاوز عنه ومن شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة .
يتكون الإنسان كما أخبرنا القرآن الكريم من جسم وروح ، وروح الإنسان قبسة من روح الله سبحانه وتعالى ، تميز بها عن سائر الحيوان ، وهي التي خصته بالاستعداد لمعرفة الله والإيمان به وعبادته وتحصيل العلوم وتسخيرها في عمارة الأرض ، والتمسك بالقيم والمثل العليا ، وبلوغ أعلى مراتب الكمال الإنساني ، وهي التي تؤهله لخلافة الله سبحانه وتعالى في الأرض .
ولكل من الجسم والروح حاجات ، ويشارك الإنسان الحيوان في حاجاته البدنية التي يتطلبها حفظ الذات وبقاء النوع ، وما تثيره فيه من دوافع فسيولوجية مختلفة كالجوع والظمأ والدافع الجنسي إلى غير ذلك من الدوافع الفسيولوجية الأخرى . غير أن للإنسان أيضا حاجاته الروحية التي تشمل في تشوقه الروحي إلى معرفة الله سبحانه وتعالى والإيمان به وعبادته . وهذه الحاجة فطرية في الإنسان ، فالإنسان يشعر في أعماق نفسه بدافع يدفعه إلى البحث والتفكير في خالقه وخالق الكون ، وإلى عبادته والالتجاء إليه ، وطلب العون منه . وتؤكد بعض آيات القرآن الكريم إلى أن دافع التدين فطري في الإنسان . قال تعالى : { فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون }.
ففي هذه الآية الكريمة إشارة واضحة إلى أن في فطرة الإنسان استعدادا لمعرفة الله سبحانه وتعالى وتوحيده وعبادته . قال الله تعالى : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين }.
وتبين هذه الآية أن الله جل شأنه أخرج من صلب آدم وبنيه ذريتهم نسلاً بعد نسل على هيأة ذر، وأشهدهم على أنفسهم بربوبيته تعالى حتى لا يقولوا يوم القيامة إنهم كانوا عن هذا التوحيد غافلين وجاء في الحديث الشريف أيضاً ما يؤكد أن دافع التدين فطري في الإنسان. فقد جاء في صحيح مسلم عن عباس ابن عمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله : ( إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم ) . وجاء في حديث رواه الإمام أحمد وأخرجه النسائي في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة ، فما تزال عليه حتى يبين عنها لسانها فأبواها يهودانها وينصرانها) .
وأعود لمًا قلت أعلاه أن كبار السن بحاجة إلى التقدير والاحترام وهذا أمر دعا إليه وحث عليه ديننا الحنيف. كبار السن بحاجة إلى الرعاية الصحية والنفسية . وكم نحن بحاجة إلى الاستفادة من خبراتهم .