فجعنا يوم الأربعاء 1/7/1446هـ بوفاة العَلّامة الفقيه النحوي الـمُسنِد الـمُعمّر شيخ المشايخ وأستاذ الأجيال العابد الزاهد الشيخ/ علي بن يحيى بن مهدي البهكلي عن عمر تجاوز (100) عام، قضاها في التعلم والتعليم، وقد تلقّى العلم على يد علماء البهاكلة، وعلماء جازان، ثم ارتحل إلى اليمن (يمن العلم والحكمة والإيمان) وتعلّم على يد أبرز العلماء في جوامع مدينة (زبيد) ومجالس العلماء فيها، ومكث بها سنوات عديدة، وبعد استكمال تلقيه للعلم عاد الشيخ إلى وطنه المملكة العربية السعودية، واستقر بمدينة صامطة، فاختير معلما في المدرسة السلفية، ثم معلما في المعهد العلمي في صامطة منذ عام 1377هـ ولمدة (30) عاما، درّس خلالها أوائل خريجي المعهد من علماء وقضاة ومعلمين، وأجيالا من طلبة العلم، واستمرت مجالسه العلمية في البيت والمسجد ونحوها، وقد عاش الشيخ متواضعا حسن التعامل، زاهدا في الدنيا، مقبلا على العبادة، مبتعدا عن الأضواء، باذلا نفسه ووقته للعلم والتعليم، والشيخ علي البهكلي بجانب قرابته لوالدي الشيخ يحيى بن محمد البهكلي رحمه الله كان أخا وصديقا مقربا، بينهما صادق الأخوة والمحبة، ودائم الألفة والمودة، رحم الله الشيخ عليًا البهكلي وغفر له وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.
يُسائلني مُلِحًّا يَسْتبينُ
وكلُّ حُروفهِ مِيمٌ ونونُ
يُسائلني: (عليٌّ)؟ مَنْ (عليٌّ)؟
وهذا (البَهْكَليُّ) فمَنْ يكون؟
أجابَ علَى التساؤلِ ألْفُ شيخٍ
وألْفُ مُعلم، وجَرَت شُؤونُ
وكم قاضٍ، ومسؤولٍ أجابا
ودكتورٍ، وداعيةٍ يُبينُ
وأهلُ العلم، أهلُ الفضل ها همْ
أجابوا، والجواب له شُجونُ
وهذا المعهد العلميْ مُـجيبٌ
بـ(صامِطَةٍ) و(صامِطَةٌ) عَرينُ
أجاب الناسُ كلُّ الناس حُبًّا:
(عليُّ البَهكَلِيُّ) هو الأمينُ
وشيخٌ فاضَ علمًا، واجتهادًا
لهُ في الفضل مِعراجٌ مُبينُ
وقد نَـهَلَ الأكابرُ منهُ صَفْوًا
فهذا (البَهْكَليُّ) لهمْ مُعينُ
(عَليُّ) الاسمِ، همتهُ الأعالي
علا سَنَدًا، ويعلوهُ السُّكونُ
(عليُّ البَهْكَليُّ) مَنارُ خيرٍ
فهل ما زلتَ تسألُ: مَنْ يكونُ؟!
أَخٌ لأبي، ووالدُنا الحنونُ
ورمزٌ ليس تُـخْطِئُهُ العيونُ
قضَى وأَبـي هنا في الحَرْث دهرًا
وفي رَعْيٍ، فلا كسلٌ يشينُ
ودونَ كَفافهمْ عاشوا زمانًا
عِصاميِّين، عزمٌ لا يلينُ
وآثرتُـمْ سبيلَ العلم، أنتمْ
بنو الأعلامِ، كم شَهِدتْ قرونُ؟!
سَرَيتُمْ نحو تعليمٍ، وسِرتُمْ
فإنّ العِلم للعلماء (جِينُ)
فحِينًا في (الغُرَيِّب)، ثم حِينٌ
(عَريشيٌّ)، لــ(صامِطَةٍ) حَنينُ
وحِينًا في (البَهاكِلَة) استقرتْ
خُطاهُمْ عند شيخٍ لا يِهونُ
إلى (يَـمَنِ العلوم) إلى (زَبِيدٍ)
وأرض (تـهامَةٍ) مَضَتِ السَّفينُ
إخاءُ دَمٍ، وقُرَبَـى، وانتسابٌ
يُوحِّدُكمْ، وتعليمٌ مَكينُ
وضَمَّتكمْ مجالسُ في وِقارٍ
وفاءٌ ليس تُدركُهُ الظنونُ
وعشتمُ في ودادٍ واتصالٍ
وروضُ الحُبَّ تَرويِهِ الشُّجونُ
وكلٌّ منكما قد عاش قَرنًا
قَرينُ الدِّين يا نِعمَ القرينُ
رأيتُ الشيخَ عاش خفيفَ ظَهْرٍ
وفي الميزان أثقالٌ تَزِينُ
إلى الأخرَى يُــحَــرِّكُهُ اشتياقٌ
وفي الدنيا يُلازِمُهُ سُّكونُ
بَنَـى صَرحًا من التقوَى منيفًا
وأعْرَبُ عنهُ زُهدٌ واليقينُ
تَـزَوَّدَ من (بَـهاكِلَةٍ)، وهذا
(عَمُودِيٌّ)، و(قَرْعاويْ) رصينُ
وذلك (ناصرٌ) شيخٌ مُرَبٍ
هنالك (حافظٌ) عِلْمًا حصينُ
وسافرَ في طِلاب العلم عُـمْـــرًا
وفي التحصيل أَوْرَقتِ السُّنونُ
ونحوَ علومِ قرآنٍ تَـرَقَّى
ففيه العلم، والحبل المتينُ
لِعِلْم السُّنَّةِ الغراءِ يَـمضِي
فإنَّ السُّنَّةَ الركنُ الرَّكينُ
وفقهٌ للشريعة مِنْ دليلٍ
وفي لغةٍ لهُ قِدْحٌ مَصونُ
ويروي العلم إسنادًا ومَتْنًا
مشايخهُ همْ النَّبْعُ الـمَعينُ
شيوخٌ في (زَبيدٍ)، كلُّ شيخٍ
لهُ انقادتْ مع العِلم الفنونُ
ومنهجُهُ كتابُ الله، (كهفٌ)
و(أنفالٌ)، و(فاتحةٌ)، و(نونُ)
ومنهجُهُ الحديثُ، رِواهُ غَضًّا
أسانيدٌ صحاحٌ، والمتونُ
ذكيٌّ، لَوذَعيٌّ، بحرُ علمٍ
عَقولٌ، أَلمعيٌّ، مُستبينُ
فأَدْرَكَ مِن علوم الدين قَدْرًا
علا قَدْرًا بهِ، فالعِلمُ دِينُ
أَديـمٌ مِلؤهُ عِلمٌ، وفَهمٌ
وتفسيرٌ، وتوحيدٌ رَكينُ
وقالوا: كان بَـحرًا لا يُجارَى
وفي كل العلوم هو الفَطينُ
وفي التعليم: كان الشيخ رمزًا
له في الدَّرس أُسلوبٌ رَزينُ
رَحابةُ صدرِهِ العنوانُ، سَهلٌ
فلا يَقسو ويَعْنُفُ، لا يُهينُ
عاش أَبًــا لطـــــــلابٍ، لَطيفًا
يُوجِّهُهُمْ، يُداعبُهُمْ، يُعينُ
وقد رَسَمَتْ سَجاياهُ ابتسامًا
فيا للهِ ذَيَّــــــاكَ الجَـــبينُ!
إذا ما افْتَـرَّ ثَغرُ الشيخ، يَهمِي
ضياءٌ، يَنتشِي أَلَقٌ هَتونُ
وفي العينين إشفاقٌ وعطفٌ
وإنْ يَنطِقْ فشَهْدٌ، أو مُزونُ
وعاش الشيخ في شُكرٍ وصَبْرٍ
قلوبُ المؤمنين لهم حُصونُ
إذا ما جئتَهُ تَلقَى صبورًا
وتَسمعُ شاكرًا لا يَستكينُ
ومهما طال بالإنسان عُمْرٌ
فحِينُ الحَينِ حِينًا قد يَــحينُ
إلى الرحمن نَفْسُ الشيخ تاقتْ
إلى الفردوس كم طالَ الحَنينُ
مَضَى لله محمودَ السَّجايا
وصَرْحُ العِلم مِن فَقْدٍ حَزينُ
مَضَى لله يَسْبِقُهُ صلاحٌ
وكلُّ فتًى بما أمضَى رَهينُ
مَضَى لله في جسم نَـحيلٍ
وعزمٍ كالرواسي، لا يِلينُ
مَضَى لله هذا الشيخ، أَبقَى
مآثرَ سوف يَرويْها البَنونُ
فصبرًا يا بني عميْ، فأنتم
برغم الحُــزن يَعْمُـــرُكمْ يَقينُ
أُعزِّيكمْ، أُعزِّي اليومَ نفسي
وكم ذا تَسفحُ الدمعَ الجُفونُ؟!
لكل (البَهْكَليِّين) التعازِي
فيا أهليْ اصطبارُكُمُ قَمينُ
أُعزِّي أهلَ (صَامِطَةٍ)، أُعزِّي
رُبِا (جازانِ)، كم حَزِنَتْ حُزونُ؟!
ويا طلابَ شيخيْ ذا عزائي
إليكمْ، فالقلوب لها أنينُ
ويا ربَّاهُ يا ربَّاهُ فامْنُنْ
فإنّ العبدَ تَطويهِ الـمَنونُ
وفي الفردوس يا رحمنُ أَسكنْ
بـــجودِكَ شيخَنا، بكَ نَستعينُ
ويا غَفَّارُ مغفرةً لشيخٍ
ببابكَ شابَ، قد حُسنَتْ ظُنونُ
شعر/
علي بن يحيى بن محمد البهكلي
أبوعريش، الأربعاء 1/7/1446هـ