
بقلم: أبكر عاتي
ها هي الأيام تمضي مسرعة، تحمل معها أنفاس رمضان الأخيرة، وكأنها غيثٌ تسلل بهدوء، فأروى الأرواح العطشى، ثم بدأ بالانحسار. في آخر ليالي الشهر الفضيل، تمتزج المشاعر بين فرحة العيد المرتقب، وحزن الفراق لزائرٍ لطالما منحنا فرصةً جديدة للتقرب من الله، والمصالحة مع الذات.
تلك الليالي الأخيرة ليست كغيرها، فهي محمّلة ببركات مضاعفة، ولحظات لا تعوَّض. في كل ركعةٍ نصليها، في كل آيةٍ نتلوها، في كل دمعةٍ تفيض بالدعاء، نشعر بثقل اللحظة، وندرك أن رمضان لم يكن مجرد أيامٍ صيام، بل رحلةً روحانية تنقّي القلب وتشحذ العزيمة.
ومع اقتراب الرحيل، تتضاعف الهمسات الخاشعة، وترتفع الأكفُّ إلى السماء، تلحُّ بالدعاء أن يكون هذا الشهر شاهدًا لنا لا علينا، وأن يكتبنا الله من العتقاء من النار، وأن يبلغنا رمضان القادم ونحن بأحسن حال.
وبينما نحزن على رحيل رمضان، يطل العيد كفجرٍ جديد، يبشر بفرحة اللقاء، وبهجة التراحم، وكأن في وداع الشهر الفضيل حكمةً إلهية: أن يظل الأجر ممتدًا، وأن نواصل مسيرتنا في الخير بعد رمضان، لا أن يكون العطاء موسمًا ينتهي بانتهائه.
وفي آخر ليالي الشهر الفضيل، نصغي بقلوبنا إلى نداء الرحمة، ونودّع رمضان بحبٍ وامتنان، ونستعد لمرحلةٍ جديدة نحمل فيها من دروسه ما يجعلنا أكثر قربًا من النور، وأكثر إيمانًا بأن كل وداع يعقبه لقاء، وأن الخير الذي زرعناه هذا الشهر سيظل ينبت في أرواحنا، ما دمنا متمسكين بنوره.