محمد الرياني
قالت له : انظر! هناك عنزٌ تمشي على الحائط ، ضربَ بيده على صدره وقال لها استعيذي من الشيطان! هذه أوهام ، أنا لا أرى شيئًا، الحائطُ لونُه أبيض يشعُّ نورًا كالقمر، سألَها :مالونُها؟ سكتتْ ولم تجب، سألها ثانية هل سمعتِ لها صوتًا؟ قالت : إنها تمشي بلا صوتٍ ولكنني أستغربُ كيف حافظتْ على توازنها وهي تمشي على الحائط؟
كرَّرَ عليها بأنَّ الإعياءَ والإرهاقَ أثَّرَ فيها بعد سهرةٍ الفرح ، أقنَعَها بأن تستريحَ وتضعَ اللحافَ على جسدِها المثقلِ بالإعياءِ والتعب، فعلتِ الشيءَ الذي طلبَه منها ووضعتِ اللحافَ على جسدِها واستغرقتْ في النومِ وظلَّ يراقبها، فجأةً أزاحتِ الغطاءَ عن وجهها وأخذتْ تشيرُ إلى حافةِ السريرِ وهي تقول إن الدابَّةَ تسيرُ على حافَّةِ السرير، انظر إليها تكادُ تقفز نحوي ، قال لها : نامي قريرةَ العينِ فلايوجدُ شيءٌ مما ترين، أنا لا أرى شيئًا من وهمك، عادتْ للنوم، تذكَّرَ بعضَ تفاصيل الصباحِ عندما وضعتِ الطعامَ بلا ملحٍ، والعصيرَ دون سُكَّرٍ وهي تجادلُه بأنها لم تفعل ذلك ، اتجهَ نحوَ الجدارِ يتحسسه والسريرِ ليتأكدَ من أنَّ شيئًا من أوهامِها لم يقع، شكَّ في نفسِه وأنها على صواب ، بدأتْ تصدرُ شخيرًا وزفيرًا وتتمتمُ بعباراتٍ غريبة، استلقى على السريرِ لينامَ هربًا من جوِّ تلك الأحاسيس، فرحَ باستغراقِها في النوم، ولىَّ الليلُ وأشرقتِ الشمس، فرحَ بالنهارِ لعلها لاترى ما رأتْه في الليل، جلسا يتناولان وجبةَ الإفطارِ وهي تنظرُ إليه نظراتٍ غريبةً فسَّرَها في نفسه، لم يقلْ لها إنَّ الشايَ بلا سكر، والخبزَ لم يحضر مع الأجبانِ والبيض ، تناولَ إفطارَه بصمت ، صاحتْ فيه لعدمِ تنبيهها بأنها لم تجلبِ الخبز، قال لها : إنَّ الخبزَ نفدَ وهي لم تنتبه، ذهبتْ إلى المطبخِ تريدُ جلبَ الخبزِ فتركَ لها المكانَ واتجهَ إلى المغسلةِ لغسلِ يديه، لحقتْ به وجاورتْه عندَ المغسلةِ الثانية، همستْ في أذنِه بأنها كانت تستفزُّه في الليل، اعترفتْ له بأنَّ السهرةَ كانت رائعةً جدًّا، وأنَّ جوَّ الفرحِ دفعَها لتُنَغِّصَ عليه بقيةَ ليلِه ، عرفَ أنَّ ذلك اليومَ لم يكن سعيدًا عنده من بدايته، نظرَ في المرآةِ وقال لها : ما رأيُكِ في الثورِ الذي يظهرُ في المرآة، اندهشتْ وهي ترد عليه :أيَّ ثورٍ تعني؟ فرَكَ وجهَه أكثرَ لترى الصورةَ أكثر، قال لها : هذا الثورُ وهو يضعُ يدَه على صورتِه في المرآةِ ، تراجعتْ للخلفِ وهي تضحكُ باستخفافٍ ثم قالت : لقد تأخرتَ في معرفةِ الثور ، شَمَّ رائحةَ كفِّه النظيفةِ التي لم تأكلِ الخبزَ مع الوجبةِ وغادرَ ليرى عالمًا آخرَ غيرَ وجهِه في المرآة.