مقالات مجد الوطن

ذاكرة

 

محمد الرياني

 

ويمضي الوقت ، يمضي سريعًا، يسرقُ من عمرنا بعضه، لم أنسَ تلك اللحظاتِ القليلة التي تشبه الومضةَ الخاطفةَ ، على الطاولة المنصوبة جوارنا كأسان من العصير، لم أستطع أن أكمل كأسي بعد رشفة واحدة، كنتُ أنظر وأتعجب باندهاش، هي فعلتْ مثلي، جاء العامل وحمل الكأسين وغادر، ليس بمقدوره أن يأخذ معه تفكيري وتفكيرها، شيءٌ واحدٌ ظلَّ حاضرًا معنا، لم نعبر عنه، يوجد خلفها لوحةٌ تشكيليةٌ في غاية الجمال معلقةٌ على الحائط، لفتتْ انتباهي كونها لفتاة حسناء تضع العالمَ خلفها وتنظرُ إلى البحر الواسع، كيف تكون حسناء ووجهها إلى البحر، كلُّ شيءٍ كان فيها جميلًا ولم يبق غير تفاصيل وجهها، اكتشفتُ أن خلفي لوحةً أخرى، عندما التفتُّ إلى الخلف أبصرتُ اللوحة نفسها، شككتُ في الأمر وأن الذي وضع لوحتين متقابلتين وضعهما عن قصد ، أخذتْ حقيبتها الذهبية وغادرتِ المكان وهي تنظر إليَّ باستغراب، جلستُ وحيدًا أحثُّ ذاكرتي على استرجاع الأحداث، ذاكرتي المثقوبة لم تعد تسمح ببقاء الأحداث، حتى تلك الأحداث الرائعة أو الفاتنة، قال لي صاحب المكان : هل تذكرُ هذه اللوحة وأشار إلى الأولى، وهذه اللوحة وأشار إلى الثانية، أردتُ أن أقول له إنهما متشابهتان فقاطعني، قال إن الفتاة التي كانت هنا هي التي رسمتِ اللوحتين هدية للمحل، لقد سمعتك يومًا هنا تتحدث عن الجمال والبحر والشعر الطويل المسافر، هززتُ رأسي ولم أتذكر شيئًا، اكتفيتُ بالمغادرة، هممتُ بأن أذهب إلى البحر كي أرى لوحةً حقيقيةً تشبه اللوحةَ المعلقة، ضربتُ رأسي بكفي كي أهزَّ الذاكرة، خرجتُ إلى الساحةِ الخالية ، خشيتُ إن ذهبتُ إلى البحر أن تسوء ذاكرتي ولا أجد البحرَ الذي أريد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى