مقالات مجد الوطن

في جامع الفقهاء للمرة العاشرة

 

ضيف الله مهدي

 

اليوم الجمعة الموافق ١٤٤٥/١٢/٢٩هـ ، كانت خطبة الجمعة في مسجد الفقهاء في بيش عن انتهاء العام وكانت خطبة بليغة عن الأيام والشهور والسنوات ومبكية ومحزنة على ما فطرنا في أيامنا وأوقاتنا ، وقد أجاد وأفاد خطيب الجامع الشيخ الأستاذ حسن بن يحيى الأعجم ، في الخطبة الأولى المبكية المحزنة وفي الثانية التي نبه على بعض البدع من تهاني ودعاء وعبادات استحدثها بعض الناس حتى باتت عند البعض كأن النبي وصحابته يفعلونها وهم لم يفعلوها . انتهاء عام ورحيله وقدوم عام واستقباله ونقص ما كتب لنا من أعمار والخطيب كان رائعا مستشهدا بآيات القرآن وحديث النبي عليه الصلاة والسلام وبعض خلفائه وصحابته، وما جاد به الشعراء. ولي تعليق ليس على الخطبة ولكن على الموت وقد ذكر الموت اليوم في الخطبة مرات متكررة .

ففي سنوات ماضية بعث إلي أحد الأشخاص برسالة وذكر فيها أنه يخاف من الموت وذلك الخوف أتعبه فرديت عليه بالآتي :

أنت يا ابن آدم جئت للحياة وأنت تبكي وتفارق الحياة وهم يبكون .. معادلة جميلة لطيفة .. جئت للحياة واستقبلوك بالفرح والتهاني وأنت تبكي ، تغادر الحياة وهم يبكون عليك تغادر فتلقى أهلك الذين قد غادروا قبلك يستقبلونك بالفرح والسرور والبهجة ..

الحسين بن علي رضي الله عنهما ليلة أستشهد رأى جده عليه الصلاة والسلام وهو يقول له تفطر عندنا يا حسين ، وكان الحسين صايم في يوم عاشوراء . وأحد الأشخاص الصالحين رأى النبي في المنام ومعه بعض صحابته ، فقال له : ما أوقفك هنا يا رسول الله ؟ فرد عليه : ” أنتظر محمد بن إسماعيل ، ومحمد بن إسماعيل يقصد الإمام البخاري رحمه الله ، وقد كان البخاري مات في نفس الليلة هذه وكذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه .

لا أحد يخاف من الموت .. متنا مرات كثيرة وتنقلاتنا في الأصلاب موت .. بعدين أنت رايح عند الذي خلقك أشفق عليك من أمك وأبيك !!

لماذا تخافون من الموت ؟!

الفراق فقط هو الذي يجعلك تحزن !!

حتى السفر إذا تعلقت بشخص تحزن لسفره .

الموت بداية النهاية ونهاية البداية ، هل قد متنا من قبل ؟ كم حياة مررنا بها ، حتى وصلنا إلى الحياة ؟ وقضينا بها سنوات ثم متنا ؟.

الموت من وجهة نظري ليس البداية وليس النهاية ، منذ أن خلق الله سبحانه أبونا آدم عليه الصلاة والسلام خلقنا ، وأخرجنا وأشهدنا على أنفسنا أنه تعالى ربنا .. شهدنا على أنفسنا واعترفنا بأنه سبحانه ربنا.. تنقلنا في الأصلاب حتى جاء الموعد الرسمي لوجودنا كأشخاص حينما التقى الأب والأم على الطهر والعفاف وعلى سنة الله ورسوله ، فكان ثمرة ذلك اللقاء هو وجودنا ، فعشنا حياة ولا أروع مدتها على الأرجح تسعة أشهر ، وتقل أو تزيد عند البعض ، كانت حياة ولا أروع تشبه الحياة في الجنة ، طعامنا يصل إلينا دون عناء ، وشرابنا يأتي إلينا دون عناء ، في سعة وفسحة من العيش لا نبرد ولا نشعر بالحرارة ، لا نور ساطع يتعبنا ولا ظلام يخيفنا ، نأكل ونشرب ولا نعرق ولا نتغوط ولا نتبول .. ثم متنا ، أقصد خرجنا من تلك الحياة في بطن الأم وجئنا إلى الحياة الدنيا .. لو قدر لأحد أن يتحدث مع جنين في بطن أمه ، وقال له أول ما تخرج أنت من هنا سوف نضعك على كرسي أو في مكان مثل المكان الذي أنت فيه مئة مرة أو تزيد ما صدق !! ولو كان هناك في بطن الأم توأمان ، وخرج الأول قبل الثاني بثلاث ساعات ، وقدر لنا أن نسأل الذي مازال في الرحم عن أخيه لأجابنا بأنه مات !!!!

الموت نقلة من حياة إلى حياة ، غير أن في الحياة الدنيا امتحان واختبار وعمل وجد ، وبعدها يتقرر المصير ، إما النجاح والفوز برضا الله ومغفرته وجنته ، أم المصير الآخر أعاذنا الله وإياكم منه ..

من الناحية الدينية فإنني أود أن أقول : أن الخوف من الموت مرض يعتري الإنسان من الموت على سبيل العموم ، ومن الظواهر المتفرعة عنه : الخوف من الدفن حيا ، ومن رؤية الدم ، ومن حالات الإغماء ، ومن منظر الأموات والجثث . والمصاب بهذا المرض يتحاشى رؤية هذه المخاوف ، ويتجنب المشاركة في الدفن والذهاب مع الجنازات ، بل ويخشى من ذكر الموت لأنها تشترك مع حقيقة الموت ، وتوحي بشيء أليم في النفس الإنسانية .

وقد فرق علماء النفس بين هذا الخوف وبين قلق الموت من جهة العموم والخصوص ، حيث خصصوا قلق الموت بخشية الإنسان من موته هو .

وقد وصف الله سبحانه وتعالى أمثال هؤلاء فقال : { يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت } ، وقال تعالى : { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت } .

أسباب الخوف من الموت :

إذا سألت أي إنسان عن سبب خوفه من الموت فلا يخرج جوابه عن الأمور التالية :

١- غموض حقيقة الموت.

٢- الشعور بالخطيئة من الذنوب والمعاصي .

٣- الافتراق عن الأحبة والملذات والآمال .

٤- انحلال الجسد وفقدان القيمة الاجتماعية والمعنوية واستحالته إلى شيء مخيف وكريه .

•طرق العلاج :

إن التوصل إلى تخليص المريض من الخوف نهائيا أمر مستحيل لأن الخوف في الإنسان فطري لهذا كان القصد من العلاج إنما التخفيف من الخوف بتجريد الموت من معظم ما فيه من الآلام النفسية . ولما كانت الأسباب المتقدمة هي أهم المنبهات كان من الضروري اللجوء إلى تحليل هذه الأسباب وتوضيحها وتعليلها لإسقاطها من ذهن المصاب والانتقال إلى مرحلة الإقناع بمجابهة حقيقة الموت بالرضا والقبول .

قال تعالى: { قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم } . مادام الأمر كذلك فلماذا أخاف من الموت ؟ .

هل لأنه يعني الفناء ؟ أو لأنه يعني الانتقال من حياة دنيا إلى حياة أخرى . الدهريون والماديون يقولون بالفناء قال تعالى على لسانهم : { إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين } ، وهي رؤية قاصرة لاعتمادها الحواس في وضع المقاييس الوجودية ، وأشد ما فيها من الإحباط اعتبار الإنسان كباقي المخلوقات الحية ، وأي فضل في هذا للإنسان ؟ هل أنت من هؤلاء ؟ إن كنت كذلك فلك الحق بخوفك . ولكن ليس من دليل عقلي أقوى على كون الموت بداية لحياة أخرى من تفرد الإنسان في تكوينه الجسدي والعقلي والروحي والنفسي عن باقي المخلوقات . قال تعالى : { ولقد كرمنا بني آدم } .

نبكي على الميت وبكى النبي صلى الله عليه وسلم على ولده إبراهيم فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : وأنت يا رسول الله ؟ فقال : ( يا ابن عوف إنها رحمة ، إن العين تدمع ، والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا و إنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون ) .

فالفراق يترك الحزن في النفس ولا ينبغي له أن يترك الخوف من الموت . فراق مؤقت يتبعه لقاء يوم القيامة ، لقاء يعقبه محبة ولقاء يعقبه لعنة وفراق أبدي أما لقاء المؤمنين فهو لقاء محبة وأنس ، وأما لقاء الكافرين والفاجرين والفسقة فهو لقاء بغضاء ولعنة وتبرؤ . قال تعالى : { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } . وقال تعالى : { إذ تبرأ الذين اُتُّبعوا من الذين اتَّبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب} .

فاحرص على تأسيس بيتك على التقوى قال تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أن أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا }.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى