مقالات مجد الوطن

سطرُ الكحلِ

 

ا/ ليلى حكمي

—————-

وكأنَّ قلم الكحلِ يلقي التحية والسلام دائما ، يروق له انحناء المرآة حينما تبجل حريته المفرطة ، يعتني بهدوء وسعة خاطره التي تتراقص مع نسيمِ الصباح المنتشي؛ سطرٌ واحدٌ لكنه مستقيم بثبات كتحية ضابط يشدو بصوت تعظيم

باسم الوطن ، لم يدسَّ بين بريقه إلا وفاء وصمت رفيع لايخدش أطرافه حزن مقيت ولا يأس رذيل يستهوي العيش

حراً أبيًّا، كفارس شجاع يحفظ الشعر والقصائد ، يمتطي حصانه

الأسود ويعدو به مسرعًا الى خيمة يكثر فيها تراحيب وينصب

الكحل ساكنًا كما صبَّ القهوة المرة في فنجال مزخرف بسيفين ونخلة ، ويتكئ على مُتكئ رمش خفيف يهفو برقة ،

سطرُ الكحلِ كان جريئًا للغاية ، حمل على متن خطه حروفًا مبعثرة تلاعب بها الهوى ، ولونه الأسود محكوم عليه بالأسر المؤبد ، أخطار مريبة تشد أطرافه المترامية ، كما سقاه الأنين ولكنه لم يفنى ، اشتق طريق الوجنة ودفء رمضاء الحنين ، لم تظهر به الشقوق ولم يبلى ، أزال عوائق المسافات وخذل الدمع وغير اتجاه مجراه ، ومع كل الغروب وظلام الشبابيك ، يشعل شمعة مقلتيه وفتح مرآة صغيرة بنصفها جزء مكسور ، وقد ترك كل المناديل جانباً ، وايقظ سطرُ الكحلِ

روحاً خائفة عكس ظلالها تلك المرآة الصغيرة المكسور نصفها وبحث في الظلام الحالك عن بدايات الحروف التي ضاعت وغطاها غبارُ الصمتِ المخيم بين الألوان ، وجَد أخيراً اللون الأسود القاتم يعزف عن الحروف ، عجز أن يحتفظ بكل السطور ، كفاه سطر واحد ؛

سطرُ الكحل لم يضع ولم يبرح قطُّ عينيها ، انتظارها كان طويلًا وبكاؤها محيراًولكن كل الدموع غيرت مجراها ولم يتبلل المنديل فقد لامس بنانها بكل رفقٍ وكم قد حضرته بأن لا يمسح سطرُ الكحلِ؛ حتى لو المرآة تكسرت أجزاء بمنتصف الفؤاد فهناك طريقٌ يبقى طويلاً يمتد من عهدٍ قديم يعكس صورة السطرِ في ينبوع قلبِ الرجاءِ وبالود رافضاً تمامًا كل الألوان ، ينامُ وهو يرتلُ آيات وأذكارًا حتى يبقى كما كان ، ويصحو ومباسمُ الأمل في هدبها غصنًا ثابتًا لم يمل به اتجاه الهوى واستيقظ وهو يرى زاهي الكحل وكلُّ الشوقِ قد اختصر سطرَ الكحل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى