بينيَّات ورغبات ؛ حيث لا زمان.
وقفة تأملية مع خاطرة “بين نوم وهذيان” للكاتبة الأستاذة نادية اليوبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نوم وهذيان
وما بينهما أنت
يقظة واستيقاظ
وما بينهما أنت
عندما تُغمض عيناي
أجدك بينهما
وعندما تُسَيرك الأحلام لي
فأنت أحلامي الغير مؤجلة
متاهات تأخذني مني إليك
ما رأيك تسافر معي في نومي ويقظتي وكل أحلامي وتُخبرني فقط كيف هي حياتي وأنت كل ما فيها ،،،
ما رأيك تحتضن أماني وخوفي وتعانق ما تبقى من آمالي
فأنت أصبحت حبي وحناني وغربة أشلائي فليتك تعيدني من أحلامي
لتكون يقظة أيامي.
للكاتبة / نادية اليوبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قراءتي للخاطرة:
حينما تكتب نادية اليوبي تتحد جميع حواس المتلقي في حاسة واحدة؛ لتتهيأ ، وتتحفز؛ لتلتقط ذلك الجمال المنسكب من قلمها.
العنوان الذي اختارته نادية هو “نوم وهذيان” ؛ ليكون مفتاحا للولوج للخاطرة ومضمونها ، هو عنوان مُوحٍ ، لكنه ليس فاضحا للمضمون ، ثمة إشارات يبثها للقارئ ؛ ليتمكن من فهم المضمون.
بين النوم والهذيان، أي بين النوم وشبيهه ، بين حالتين من فقدان الوعي ، فماذا بين النوم والهذيان؟
ثم بين يقظة واستيقاظ !
ماذا يقع بينهما أيضا؟
بينهما “أنت” ، ذلك المخاطب الذي جردته ، وصار معادلا موضوعيا لها ، وصار شخصية موازية تُجري معه حوارها، وتوجه له سؤالها.
فهو بين كل متقاربَيْن يجد مساحة للوجود بينهما ، حتى حينما تغمض عينيها، يكون هو بين الجفنين قابع.
وهو يأتي مُرسَلا ، تحمله أحلامها العاجلة ، غير المؤجلة ، ثم في عالم من المتاهات يكون الانتقال :
متاهات تأخذني مني إليك
انظر معي جمال هذا الاتحاد ، وتأمل روعة ذلك الحلول المدهش في : تأخذني ، “مني إليك”
تبرز فيها حركة عجيبة ، وانتقال مفاجئ بين مكانين، لكنه انتقال لا يستغرق زمانا؛ حيث يتلاشى الزمان .
تميزت هذه الخاطرة بالتدرج المنطقي للسرد؛ فقد ابتدأت الكاتبة ببيان مكانة ” الآخر” النفسية لديها ، ثم أهميته عندها ،ثم تمنيها البقاء معه ،وعدم الفراق ؛ لأنه كل شيء لديها :
فأنت أصبحت حبي وحناني
وغربة أشلائي
ثم أخيرا بيَّنت سبب طلبها البقاء معه :
لتكون يقظة أيامي
ثم تتحول مع هذا الانتقال إلى أسلوب الاستفهام لتحملنا إلى صورة أخرى، تشد القارئ ، وتجعله متيقظا ، ومنتبها :
ما رأيك أن تسافر معي في نومي ويقظتي وكل أحلامي
ثم تتوالى الاستفهامات دون إجابة ؛ حتى تتيح فرصة المتعة للمتلقي ، حينما يبحث متلهفا عن إجابات لأسئلة حيرى:
كيف هي حياتي وأنت كل ما فيها ؟
ما رأيك أن تحتضن أماني وخوفي ؟
ثم تنتقل للتمني :
فليتك تعيدني من أحلامي
وهنا جناس رائع رائق بين:
أماني وآمالي
وهناك تضاد بديع حاد ، وضَّحَ المقصود بين :
أماني وخوفي
يقظتي ومنامي
وبينهما استعارات جميلة ، ومنها :
تُسَيرك الأحلام
تتلاعب الكاتبة لعبا متقنا بالظروف غير المختصة :
بين ،عند ،مع ..
كما تجيد استخدام حروف الجر
من ، إلى ، في …
ونلمحها تبادِل – بقدرة فائقة – بين الجمل الاسمية ، ثبوتا واستمرارا :
فأنت أحلامي غير المؤجلة
والفعلية ، حركة وحدوثا :
أجدك بينهما
ومعظم الأفعال -في الخاطرة- مضارعة ، عشرة أفعال مضارعة : تغمض ، تأخذ ، تسافر ، … ؛ لأن خاطرتها تتحدث عن المستقبل ، حيث الرغبة والأمل والتمني ، وكل هذا لمَّا يأتِ بعد ؛ لذا يناسبه المضارع ، مقابل فعلين ماضيين : أصبحت ، تبقى.
إنها نادية اليوبي ، ذات القلم الأخّاذ ، والأسلوب الجذاب ، والقدرة على تحميل الكلمات معاني إضافية ، والتمكن من التأثير على المتلقي ، وشده نحوها ، ليكون أسيرا لخواطرها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
طارق يسن الطاهر
TYAA67@GMAIL.COM