يقول تعالى في سورة طه:
(فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۗ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (114)
( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ) كقوله تعالى في سورة ” القيامة” ( لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه ) [ القيامة : 16 – 19 ] ، وثبت في الصحيح عن ابن عباس ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعالج من الوحي شدة ، فكان مما يحرك لسانه ، فأنزل الله هذه الآية يعني : أنه، عليه السلام ، كان إذا جاءه جبريل بالوحي ، كلما قال جبريل آية قالها معه ، من شدة حرصه على حفظ القرآن ، فأرشده الله تعالى إلى ما هو الأسهل والأخف في حقه، لئلا يشق عليه . فقال : ( لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه ) أي : أن نجمعه في صدرك ، ثم تقرأه على الناس من غير أن تنسى منه شيئا .
وقال في هذه الآية : ( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ) أي : بل أنصت ، فإذا فرغ الملك من قراءته عليك فاقرأه بعده .
( وقل رب زدني علما ) أي : زدني منك علما .
قال ابن عيينة ،رحمه الله : ولم يزل صلى الله عليه وسلم في زيادة [ من العلم ] حتى توفاه الله عز وجل .
ولهذا جاء في الحديث : ” إن الله تابع الوحي على رسوله ، حتى كان الوحي أكثر ما كان يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن ماجه : عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” اللهم انفعني بما علمتني ، وعلمني ما ينفعني ، وزدني علما ، والحمد لله على كل حال ” .
.. وبعد أحبتي..
هذه الآية بدأها تعالى بالثناء عليه سبحانه ثم تحدث عن الوحي و كيف أن القرآن محفوظ بأسباب أو بدونها ويعلم الخالق سبحانه نبيه كيف يقرأ القرآن و لايخشى نسيانه، وقد نوه سبحانه في الآية التي تسبقها بأن القرآن نزل بلغة عربية فصيحة .
ثم انتهت بتوجيه من الله لنبيه بأن يدعو بزيادة العلم.
و العلم نعمة و رزق وخير، وكما يدعو الإنسان متوسلا الصحة و المال و العافية و الجنة كذلك يطلب و يتوسل طمعا في زيادة التعلم و التعليم ، وقوله تعالي “زدني” تدل على أنه أمر قابل للنماء و الزيادة و هذا حافز إضافي للعامة والخاصة لكي يتعلموا ويبذلون الأسباب لطلب العلوم بأنواعها وخاصة المفيد منها.
وهذا زمن انحسار العلم و التفكر للأسف أمام الضحالة و الجهل بالرغم من سيطرة التقنية التي ألغت العقل وهمشت صاحب الإدراك.
ولربما استفدنا من التوجيه الرباني لرسوله بعدم التعجل فيعلمنا درسا في كيفية التعلم و الاستذكار و المدارسة لتثبيت المعلومة و الاستفادة منها فيما بعد.
وطلب العلم في الدعاء دليل على أنه أمر مستمر بديمومة الحياة نفسها فالإنسان يتعلم إلى حين موته و لايحده مانع من عمر أو عجز أن يستزيد و يتعلم طالما قلبه بنبض وعقله يفكر .
نسأل الله علما لا يطغينا و وعيا ينفعنا و يعطينا..
د. فاطمة عاشور💜