بقلم يحيى حسن حمدي
هذا قضاء الله وقدره وماشاء الله فعل
والله إن العين لتدمع والقلب يتألم وإنا على فراقك يا زوجتي الغالية أم حسام لمحزونون
رحمك الله وجعل الجنة مثواك ومقرك ما أصعب الفواجع وما أقوى الألم تمنينا لو أن جزءًا من أجسامنا يشفيك ويزيل ألمك وهمك ويبقيك معنا لأهديناه لك ونحن سعداء، ولكن قدرة الله وقدره أقوى من ذلك كله ولاتظني أنك وحدك من كان يتألم من المرض بل كل أوجاعك وآلامك كنا نشاركك بها فنحن نتألم عندما كنا نأكل أنواع وأشكال الطعام وأنت تشاهدين ذلك ولاتستطيعي الأكل بسبب ألم الفم، وكان غذاؤك فقط رشفات من حليب عبر أنبوب التغذية الذي بجسمك.
كنا نتألم عندما نتفس الهواء الطلق وننتعش بذلك وأنت تتنفسين بواسطة أنبوب الأكسجين.
كنا نتألم عندما تأخذين جلسات الكيماوي والإشعاعي الذي آلمك وأسقط شعرك فكنت تعانين ولكنك تصبرين.
فيرغم ماكنا به من رخاء وسعة لكنا لم نستطع إيجاد علاج يذهب هذا المرض الخبيث.
نتألم ونحن نتحدث، وذلك عندما كنا نتكلم بألستنا وأنت إذا أردت الحديث لتوصلي أمرًا أو تقولي شيئًا تكتبين ولاتستطيعي الكلام بسبب الألم الذي بلسانك.
ما أصعب ساعة الفراق الأبدي التي حلت بنا. كنت أتمنى وجودك معي لنهاية العمر، نفرح بنجاح أبنائنا وتزويجهم، بعد أن ربيناهم سويًا وتعبنا وشقينا عليهم؛ لنحصد ثمرة تربيتنا معا، لكن القدر كان أسبق.
كل الأماكن التي كنا نزورها ونستمتع بها، بعد رحيلك أصبحت لاطعم لها بدونك، فستبقى ذكرياتك للأبد يا أم حسام.
أعلم أن هذا حال الدنيا وهذا قدرنا ولانعترض على قدر الله لكن ذكراك وحسن عشرتك وطيبتك وسمو خلقك وعشرتك التي كانت أجمل شيء ولم أجد منك إلا كل إخلاص ومحبة وحب واحترام وتقدير وإعانة وتعاون على الحياة، فكل ماتحقق لنا هو بفضل الله تعالى أولاً، ثم بفضل دعاء الوالدين ثم بفضل وقفتك وسندك لي، والهدوء في تعاملك وحكمتك وطاعتك واحترامك ومحبتك لي. كنتِ صوامة قوامة.
كنت تصومين العشر والأيام البيض كنت ملازمة لصلاة الضحى.
لم يتأذى منك أحد قريبًا كان أم بعيدًا .
لم تكوني تتكلمي في أحد بسوء.
كنت مخلصة في بيتك.
كنت مخلصة ووفية في عملك مديرة لمدرسة الجيانية الابتدائية.
كنت تعودي من عملك لتقومي بواجباتك وحقوقك الزوجية.
كنت الزوجة الصالحة.
كنت نعمة من الله، وأشهد الله أنك كنت نعم الزوجة المطيعة الصالحة المصلية الصائمة القائمة المخلصة لزوجها وطلباته، الملبية لكل شؤونه وواجباته الزوجية.
لسانك لا ينطق إلا بالخير ولاتكلمين في أحد إلا بكل خير.
كنت المشاركة بكل شؤون البيت.
كنت الحافظة لبيتها والمتحملة لمسؤولية تربية وتعليم أبنائها وخدمتهم.
فقد كنت نعمة من الله وجوهرة مصونة.
هكذا كنت يا أم حسام، فمهما ظللت أعد وأذكر صفاتك الجميلة سأظل عاجزاً والله.
لقد تركتِ أثرا كبيرا في قلوبنا بحسن تعاملك وإخلاصك وصفاء قلبك وسمو خلقك.
فمهما وصفتك سأظل عاجزا ومايصبرني هو أن الله لن يخذلك، وإن شاء الله أنك في جنات النعيم.
وأسأل الله أن نجتمع في أعلى الجنان وذريتنا وأهلنا وكل المؤمنين.
الموت والرحيل من الدنيا مسألة قطعية محتومة على جميع الخلق ولعلنا نحن البشر موقنون بأن الأرواح لا ترحل إلا وقد نالت حقها المقدر لها وليس عبثا أن يقع الرحيل سريعا فالأعمار بيد الله.
أصحاب الأرواح الطيبة يرحلون سريعا فغالبيتهم لا يطيلون في هذه الحياة الفانية ويتركون خلفهم أجمل الذكريات واللحظات ويتجرع القلب لفراقهم أقسى الآلام وتصيبه بذلك أوجاع لا تسكن ولو بمرور الزمن.
إن رحيلهم بلا وداع ومقدمات يترك جرحا عميقا لا يندمل إلا باللحاق بهم.
فهذه الأرواح التي نشم فيها رائحة الجنان تغادر على عجل من هذه الدنيا لتخبرنا بأن الطيبين لا يلائمهم التواجد المطول فيها.
فأرواح الطيبين تهوى الصعود لبارئها سريعا في غفلة من الزمان.
كيف ننسى عشرة ٣٤ عامًا تشاركنا فيها على الحلوة و المرة في هذه الحياة، وكيف تشاركنا في تربية الأبناء.
كيف ننسى صبرك على التربية والصلاة والصيام والقيام وتلاوة القرآن.
كيف ننسى تعليمك القرآن لأبنائنا وحثهم على العلم والصبر وتأدية فروض صلاتهم وحث البنات على الحشمة والطاعة وتدريبهن على أعمال المنزل وتعويدهن من الصغر على تحمل المسؤولية ليكبرن عارفات لأمور دينهن وبيوتهن.
كيف ننسى حبك للناس وأنك لاترضين ولاتسمحين لأحد أن يتكلم في أي إنسان غائب أمامك وتقولين دعو الخلق للخالق هو من يحاسبهم لاتغتابوهم أمامي.
كيف ننسى وكل جزء بالبيت يذكرنا بك.
كيف ننسى وكل مكان نذهب بدونك يذكرنا بك عندما كنت معنا.
كيف ننسى وأنت تحضرين الفطور نفطر معا بعد صلاة الفجر.
كيف ننسى إصرارك على طبخ الغداء بعد عودتك من العمل مباشرة وأنت مرهقة رغم إلحاحي على شرائه من المطعم لترتاحي وتقنعينني أن طبخ البيت أجمل وأنظف وألذ.
كيف ننسى صبرك وإخلاصك في العمل كمديرة مدرسة، فبرغم الإرهاق والمشقة والتعب التي تجدينها أثناء الدوام إلا أنك تحضري السجلات للبيت لتنجزي كل أعمالك على أكمل وجه كل يوم بيومه على حساب صحتك ووقتك الخاص.
كيف ننسى وكل شيء أطلبه منك تقولين أبشر وتحضرينه بأسرع وقت ولم أسمع منك كلمة لا أو كلمة تدل على الرفض أو أي كلمة جارحة.
لم أجد منك إلحاحًا في أي طلب خاص لك أوو للمنزل بل تصبرين حتى أحضره أو ترسلي أحد الأولاد لإحضاره.
إن الحزن ليس مجرد جريان للدموع من العيون إنما الحزن سهم يشق القلب فيجبر العيون على السيلان.
ما أسرع رحيل الطيبين أمثالك يا أم حسام، يعلم الله أني فقدتك يا أم حسام. وسأجيب عندما يسألني ولدنا وسام أين أمي سأجاوبه ذهبت إلى من هو أرحم بها مني ومنكم عند أرحم الراحمين
ولانقول إلا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن”
ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا أم حسام لمحزونون.
ونسأل الله أن يجمعنا في الجنة نحن وذريتنا وأهلنا ومن نحب وجميع المؤمنين.
قال الله تعالى: “وَبَشرالصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُون”