تعتبر الدهشة من الأمور التي واجهت البشرية منذ الأزمان الماضية،وتطورت مع تطوره، حيث كان الإنسان في البداية يندهش مما يواجهه من مشكلات وظواهر عادية .
و الدهشة هي أول خطوة من خطوات البحث عن الحقيقة .
و لقد كان للجوء الإنسان في البداية إلى الدهشة نفعيا ، ومن ثم تطور الأمر ليصبح هذا البحث بدافع فطري …وبدافع حب الاستطلاع السائد في نفسه…والرغبة في الكشف عن إجابات الألغاز والأسرار في هذه الحياة .
هناك علاقة وثيقة بين الدهشة وظهور الفلسفة؛
فالإنسان عندما واجه الألغاز الكثيرة في هذا الكون، والتي أثارت الدهشة والعجب في نفسه، ولم تستطع الإجابات الشائعة والجاهزة آنذاك إقناعه بخصوص ما يواجهه في الكون، بدأ بالتساؤل بخصوص الأمور التي تدهشه، وطرح أسئلة مثل :
” من أين جاءت هذه الأمور؟”
و “لماذا هذه الأمور موجودة أصلاً؟”
و “إلى أين سيكون مصير هذه الأمور؟”
ومن هنا كانت بداية الفلسفة .
مفهوم الدهشة الفلسفية :
تُعرف الدهشة، في السياق الفلسفي، على أنها “حالة” يتأثر بها العقل البشري، نتيجة تعرضه أو اطلاعه على شيءٍ جديد، أو غريب، أو شيءٍ غير مألوف لا يقدر على فهمه واستيعابه .
وعندما تسود الدهشة على الإنسان أو تصيبه؛ فإنها تحفزه على إثارة التساؤلات .
تصاحب الدهشة حركات لا إرادية في حركات جسد المندهش منها الآتي:
– ارتفاع الحواجب لتصبح مقوسة وعالية
– التجاعيد الأفقية في الجبهة
– فتح الفم
وفي العموم المندهش قد لا يفتح فمه لكن رفع الحاجبين لأعلى هي الحركة الأكثر دلالة على الاندهاش .
و لحماية استقلالية الأفكار وضمان فهم الإنسان للواقع، علينا ضرورة معرفة المشاعر، وتعلم السيطرة عليها من أجل الاستفادة منها على أفضل وجه ممكن .
هناك مفاضلة بين الفكر الذي يعرف بإثارة الدهشة…
والفكر الفاقد لهذه القدرة …
وتتجلى هذه المفارقة بين الفكر الذي يحفز الذهن، ويبهج العقل، وينشط التأمل، ويوسع الخيال، وبين الفكر الذي يكرر نفسه، ويراوح مكانه، ولا يتخطى لحظته، ويظل ساكناً جامدًا رتيباً لا يبهج بشيء.
الأصل في الفكر أن يعرف بالدهشة وإثارة الدهشة، وتظل هذه الصفة تلازمه وتبقى معه، وتصبح علامة دالة عليه، يعرف بها، وتعرف به، بشكل يصح القول معه إن لا فكر بلا دهشة، ولا دهشة بلا فكر، فكما يقود الفكر إلى الدهشة، تقود الدهشة إلى الفكر .
باعتبار أن الدهشة مكانها الفكر، ونعني بها الدهشة الفكرية والفلسفية، فلا قيمة حقيقية لفكر لا يعرف بالدهشة وإثارة الدهشة.
تقضي الدهشة على الجهل، وتثير الوعي عند الإنسان و بأن هناك أمورًا يجهلها، وتسوقه إلى طريق التعرف عليها، وعلى أصلها، وماهيتها، وكيف تكونت، ومن أين جاءت.
في النهاية سقراط أخبر أحد طلابه ، أن من سمات الفيلسوف الشعور بالدهشة، وأن هذا الشعور يحتاج إلى عمل جاد، ليتوصل صاحبه إلى حقائق الأمور، والإجابات التي يطمح إليها.
ندى فنري
أديبة / صحفية