يعاني الكثير من الناس من الأثار السلبية الناجمة عن الصوت الداخلي .
الصوت الداخلي هو إحساس الإنسان وشعوره الخاص …
إنه ما يحدثه به قلبه حين يخلو بنفسه …
الصوت الداخلي الذي يسمعه المرء في أذنيه
و هو يردد عبارات سلبية على غرار :
” لن تنجح ، إنه أمر صعب ” يعد أمراً مزعجاً إلى درجة عدم القدرة على تحمله، و يتسبب في إصابة المرء بمرض نفسي في حال تحول إلى مصدر للأفكار السلبية ،و المخاوف في نفس الإنسان .
يؤثر الصوت الداخلي داخل رأسك بشكل مباشر على ذاتك، وإيجابيتك ،وخطوات التقدم والنجاح التي تحققها ..
فهو عبارة عن صوت ناقد يُخلق من المواقف السلبية والمعتقدات وأيضاً الأفكار التي من شأنها أن تتعارض مع مصالحك الشخصية والمهنية ..
كما أن هذا الصوت يقلل من رؤية الشخص لنفسه وتقديره لذاته.
حذر باحثون من أن الاستماع إلى الصوت الداخلي بشكل دائم لأنه قد يتسبب في أضرار نفسية للمرء، ذلك أن هذا الصوت يمكن أن يكون مثيرا للغضب وسلبيا.
فالصوت الداخلي يعتبر عدو النفس يؤثر على حياتك بكافة جوانبها، ويعزز النقد الذاتي وعدم الثقة بالنفس، وهو الأمر الذي يؤدي إلى التراجع عن تحقيق الأهداف والأحلام، والشعور بالحزن وأحياناً الاكتئاب بسبب ما يزرعه هذا الصوت الداخلي في نفسك من مشاعر وأفكار سلبية.
أحياناً قد يختلط الكثير بين الصوت الداخلي والضمير، ولكن هناك فرق كبير بين الصوتين، فالصوت الداخلي ليس صحيحاً أو أخلاقياً،
وإنما هو صوت سلبي يجعلك تكره نفسك ويقودك نحو قرارات غير سليمة .
لكل إنسان خمس صور تقريبا ..
واحدة هي تلك التي يكوّنها العالم عنه ويعكسها على الإنسان نفسه ..
وثانية هي تلك التي يعتقد الإنسان أن العالم يراه بها …
وثالثة هي تلك التي يكوّنها هو عن نفسه …
ورابعة هي الصورة التي يتمناها لنفسه …
وخامسة هي التي يكون عليها.
الصورة الأولى ليست حقيقية لأنها الصورة التي يريد العالم أن يراها في ذلك الشخص…
والصورة الثانية أيضا ليست حقيقية لأنها ما يرغب الإنسان أن يراه الناس من خلالها…
والصورتان الثالثة والرابعة كذلك ليستا حقيقيتين لأنهما اللتان يريد ذلك الشخص أن يراهما في نفسه.
بينما الصورة الخامسة هي الحقيقية لأنها هي الصورة التي يكون عليها فعلا …
السؤال هو كيف يستطيع الإنسان أن يصل إلى صورته الحقيقية أو يميز ما بين هذه الصور الخمس؟
معظمنا يضيع بين هذه الصور، فإن تخطينا الأولى فإننا قد لا نتخطى الثانية أو الثالثة أو الرابعة، والسبب هو أن رغبة الإنسان أو “الأنا” أو “النفس” لديه تكون قوية إلى درجة أنها تقف حاجزا بينه وبين أي سعي لمعرفة الصورة الحقيقية.
فالطبيعة في الإنسان تجعله يألف ويأنس ما تعود عليه أو ما وافق هوى في نفسه، وما استثمر فيه من وقت وجهد، بينما التغيير يتطلب عكس ذلك تماما .
السيطرة على التأثير الخارجي وتنمية المشاعر الداخلية، تسمح للإنسان، وهذه هي الخطوة الثالثة، بأن يعيد اكتشاف نفسه، ليس وفق معايير الآخرين، وإنما وفق معياره هو.
ولكن هذه المرة سوف يكون المعيار مجردا من تأثيرات “الأنا”
أو “النفس”، سيكون شيئا نابعا من منطقة أبعد في الإنسان.
وحين أقول معيار الإنسان نفسه، فالقصد هو نظرته إلى نفسه انطلاقا من وعيه بنفسه.
هذه العملية طويلة بطبيعتها وتأخذ الإنسان إلى عوالم ومناطق في وعيه، لم يكن منتبها لها أو عارفا بوجودها أصلا.
فحتى الآن فإن الواحد منا يعرّف نفسه انطلاقا من واحدة أو أكثر من الهويات المختلفة، التي ارتبطت بنا أو ارتبطنا بها عبر المجتمع، مثل الاسم والانتماء العائلي أو القبلي أو الديني أو القومي أو الوطني أو الوظيفي …الخ.
لكن بمجرد أن نزيح هذه الهويات جانبا، ولو على مستوى الوعي، فماذا يتبقى؟
يتبقى الإنسان في صورته الأصلية، وهي صورته الحقيقية.
ينصح الأطباء النفسيين في حال عجز الفرد عن إيقاف هذا الصوت الداخلي، الذي “ينفث السموم” في النفس، أن يتعلم بالرغم من ذلك التفكير بإيجابية من جديد ، ومثال على ذلك ما تقوله كارين، التي تخشى بعض التغييرات مثل الحصول على وظيفة جديدة، أو الانتقال إلى مكان جديد، أو ربما الإنفصال عن شريك الحياة، إذ تقول :
” عند كل بداية جديدة محتملة تتوارد علي خاطري الأفكار، ويحذرني صوت عميق بداخلي من الخطر الشديد”.
و قد كانت كارين تسمع صوتا من داخلها يقول باستمرار ،”إنها لن تجرؤ أبداً على تغيير أي شيء في حياتها”.
وللتخلص من الصوت المزعج القادم من داخلها خضعت كارين للعلاج ، وأصبحت بعدها تدرك مصدر هذا الصوت الداخلي، الذي تقول عنه إنه بالتحديد من “والدها”، واصفة إياه بأنه بمثابة “رجل أمن”، يردد عبارات تحذيرية على غرار: “بعض الأخطاء لا يمكن أبدا إصلاحها”.
وتشير كارين كوتنر- أوشيا، وهي طبيبة نفسية إلى أنه سواء كانت تلك تجارب مع الآباء أو المدرسين أو أشخاص آخرين مهمين في حياتنا “فإن الوسط الاجتماعي المحيط بنا يؤثر علينا”.
وتوضح أن التحذيرات وأُطر التفكير، التي تتمثل لنا، تقحم نفسها على عقولنا بالصورة التي كانت عليها في الماضي، وتعود للظهور حتى ولو بعد عشرات السنين.
ولتهدئة الصوت الداخلي في رأسك ننصحك بالآتي:
أولا: عندما يبدأ الصوت الداخلي في رأسك بالحديث، الجأ فوراً إلى الحديث الذاتي لتغيير رؤيتك ومنظورك، أي عليك التحدث إلى نفسك بطريقة تشبه حديثك مع شخص آخر، وهو الأمر الذي يساعدك في حل هذه المشكلة دون اللجوء إلى توبيخ نفسك و جلد ذاتك .
ثانيا: ذكر نفسك أن الأمر مؤقت، أي استخدم حيلة الرؤية المستقبلية وأن هذه المشاعر السلبية والأفكار السيئة ستنتهي بمرور الوقت، فهذه الطريقة تفقد الصوت الداخلي قوته بما يحمله معتقدات ومشاعر، وستمنحك الأمل أن كل شيء سيتلاشى وستصبح على ما يرام، فالأمل هو أقوى محارب للتفكير السلبي .
ثالثا: حسب دراسات أطباء النفس، فإن التشتيت يعد من أهم العوامل التي تساعدك على محاربة وتهدئة الصوت الداخلي في رأسك، لذلك الجأ إلى أي نشاط محبب إليك يساعدك على تشتيت أفكارك، فعلى سبيل المثال يمكنك اللجوء إلى القراءة أو التنزه برفقة الأصدقاء أو العائلة أو ممارسة التمارين الرياضية وغيرها من النشاطات المختلفة.
رابعا: حاوط نفسك دائماً بالإيجابية واجعلها روتين يومي، فعلى سبيل المثال قف أمام المرأة وانظر إلى عينك وأخبر نفسك أنك قادر على تحقيق أحلامك وأنك واثق من نفسك وتقدرها، وأن كل المشاعر والأمور السيئة ستمضي، واحرص قبل النوم يومياً على كتابة شيء إيجابي واحد حدث في يومك حتى لو كان بسيطاً، حتى تعود عقلك على الإيجابية وحب الحياة وبالتالي محاربة الصوت الداخلي الناقد.
حاول التغلب على مشكلة الصوت الداخلي التي من شأنها أن تؤثر سلبيًا عليك وعلى مهامك اليومية وحالتك المزاجية .
ندى فنري
أديبة / صحفية