مقالات مجد الوطن

تعمقوا في مآسي العابرين 

 

بقلم / ليلى حكمي

 

في يوم من الأيام حضرت إليَّ امرأة ،في العقد الخامس من العمر ،وكما أنني بمجال عملي مهنة التمريض بمركز الرعاية أقوم بفرز جميع الحالات وقياس درجة الألم والعلامات الحيوية واستثناء كبار السن ، والحالات الطارئة وتقديم كل مايلزم لهم ، كانت الساعة تشير إلى الساعة الثانية ظهرًا والمكان مزدحم ومن لهم مواعيد يجلسون على كراسي الانتظار ، دخلت امرأة هادئة جدًّا تلبس عباءة الرأس وكان برفقتها شاب في العشرين من عمره يبدو أنه ابنها وأيضا ابنتها التي تقاربه بالعمر يرافقانها ، وأعينهما تتجه نحوها وبها الكثير من الخوف والحزن والقلق ، تحدثا إليَّ بكل احترام ، ياأختي : لقد حضرنا إلى مركز الرعاية الصحية ولكننا بدون

موعد ونحتاج فقط قياس ضغط الدم ، أرجوك !! قلت لهما نحن دائما بخدمتكم وخدمة الجميع ولكن قبلكم من لديه موعد ، ثم قلت للأم: ولايهمك اجلسي واستريحي ، طمأنتها عن الضغط ونظرت في عينيها واذا بهما من الألم مالم تستطع شرحه ، وحينها قلت لها ولأولادها وأنا في عجلة من أمري لكثرة المراجعين : إن قياس الضغط يبدو أمامي طبيعيًّا جدا ، فنظرتْ إليَّ وملء عينيها دموعٌ بينما عجزها جعلها لا تبرح الكرسي ، ونظرتْ بعد ذلك إلى ابنها وابنتها وكأنها تقول لهما أخبراها عن مشكلتي وما أعاني منه ، رد ولدها هل ممكن ياأختي: تدخل أمي للدكتور لأنها تحتاج تحويلًا عاجلا ، فاعتذرت منهما وأن أمهما الحمد لله صحتها على مايرام ضغطها مستقر ولا تعاني من حرارة مرتفعة والأمر يبدو لي مستقرًّا جدا وهي بحالة جيدة ودعوتهم إلى الاستقبال لحجز موعد غدًا إن شاء الله .

في هذه اللحظة قالت لي المرأة !!ولكنني لاأستطيع حتى تأدية فريضة الصلاة من شدة الألم الذي أشعر به في ظهري ، كان صوتها به صراع مع الوقت ، وكانت تخفي مشكلتها الحقيقة ولاتريد أن تسمع شكواها حتى لنفسها ،صمتُّ قليلاً وانتابني فضول السؤال عن هذه الكلمة وتطرقت للسؤال وسألت ولدها لماذا لاتستطيع حتى تأدية الصلاة هل حملت شيئاً ثقيلاُ او انزلقت على ظهرها ، أريد أن أعرف سبب المشكلة! إذا بامكانكم التوضيح لي ،

: ففاجأني بالإجابة! لا هذا ولا ذاك ياأختي وفاضت دمعة قبل أن يشرح لي وأخرست نصف تنهيدة ،ثم صمت قليلاً وعاود الحديث معي قائلا : إن أمي تعاني من ورمٍ خبيث

بالعمود الفقري تم اكتشافه بمستشفى خاص وها أنا أحمل شريطًا الكترونيًّا بداخله جميع التقارير وأحتاج تحويلها للمستشفى

بأسرع وقت ممكن !!

فوقفت مندهشة لصبر هذه المرأة ولعدم شكواها ، فهرعت مسرعة للطبيب وكلمته بأن يستقبل الحالة وقال بعدما اطلع على تقاريرها : نعم إنها تستحق العناية العاجلة وتحويلها فورا ،وعندما تمت إجراءات التحويل بحث ولداها عني وهما ممسكان بيدها ،في أنحاء المركز حتى يقدموا لي الشكر ؛ ياالله لقد ترك ذلك بنفسي أثراً كبيرا ،

قلت لهم : لاتشكروني ؛ بل الشكر لله ، غادروا مركز الرعاية الأولية ونظراتي تتبع خطواتهم بحزن شديد ؛ لقد أبكاني ماشاهدت وامتزجت دموعي بدعوات خالصة لهذه المرأة ، ذهبت وأنا أردد أن يشفيها الله وأن يبدل حزن عينيها فرحا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى