مقالات مجد الوطن

دفء

 

محمد الرياني

 

وتهجرني عمدًا لتعرف مدى اشتياقي ، تغيبُ حدَّ الغياب ، تختفي كالشمس عندما تلقي بنفسها في بحرِ الغروب بينما أنا أنتظرُ الشروقَ القادم ، أحصي دقائقَ الليل ، أكتبُ في الظلمةِ على ورقٍ وهميٍّ أني أنتظرها بينما هي تختفي في جنحِ الغياب ، تحضرُ الشمسُ من جديدٍ بوجه آخر ، امتدَّ الشعاعُ الدافئُ منطلقًا من بعيد ، لاجديدَ تحمله المعاني ، أخذتِ الشمسُ ترتفع لتسكبَ على الأرضِ دفئها والغيابُ يمارسُ الاستفزاز ، اقتربَ الغروبُ والشمسُ تستعدُّ لإلقاءِ نفسها في بحرها ، جاء المساءُ هادئًا ، اكتفيتُ بالنظرِ إلى البدر ، الليلةَ ينتصفُ الشهر ، والآخرون العاشقون يذهبون إلى البحر ، إلى الشاطئ ، إلى الرمال كي يناجوا القمر ، ما أروعَ هذا المساء! الكرةُ البيضاءُ في السماء تطلُّ على الأرض ، الرمالُ بدتْ صفحةً ناصعةً تستحقُّ أن تكتبَ عليها وهي تعكسُ جمالَ القمر ، سطرتُ على الرملِ ذكرياتِ منتصفِ الشهر ، تركتُ الرملَ والحروفَ والآمال ، نظرتُ إلى أعلى ليطبعَ النورُ الساطعُ على وجهي نورًا يزيلُ سوادَ الانتظار ، في الصباحِ تعوذتُ من الهمِّ الذي أشغلني عن انتظار الشمس ، ألقيتُ اللحافَ الأسودَ الذي تدثرتُ به وذهبتُ لأستقبلَ دفءَ الأرضِ مع الآخرين ، عادتْ من جديدٍ لتسألني عن الهجران ، مسحتُ العرقَ المتصببَ من جبيني مثلَ فلاحٍ كادح ، لم أكترثْ لسؤالها واكتفيتُ بالنظر إلى الأرضِ لأزرعَ لي أملًا ، كانت الأرضُ حولي رائعةً وقد اخضرَّتْ بعد موسمِ المطر ، صاحتْ قائلةً كأنك قد نسيتَ مابيننا ! ألقيتُ نفسي على الأرضِ أحتضنُها وأسكبُ دموعي ، لم أكتبْ هذه المرَّةَ على الرملِ حروفَ البلهاء ، نبَتَ مكانَ دمعي زرعٌ أخضر ، كبرَ الزرعُ ونمتْ معه آمالٌ مختلفة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى